ماجد كيالي يكتب: مشكلة التصويت العربي في الانتخابات الإسرائيلية

  • 4/7/2021
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

هذه المرة، وفي الانتخابات الإسرائيلية للكنيست الـ24 (مارس الماضي)، لم تفلح الجهود التي بذلت لتشكيل قائمة عربية مشتركة، كما حصل منذ 2015 (باستثناء الدورة 21 لعام 2019 لدى انفكاك القائمة المشتركة)، وكانت النتيجة خسارة خمسة أصوات، إذ حصلت القائمتين العربيتين (المشتركة والموحدة) على 10 مقاعد (أي ذات عدد المقاعد التي حصلت عليه القائمة المشتركة لدى انفكاكها في الدورة 21)، في حين كانت في الانتخابات السابقة (للكنيست الـ 23 لعام 2020) حصلت على 15 مقعداً. ثمة عدة أسباب أدّت إلى ذلك، أهمها: أولاً، تدنّي نسبة التصويت في الوسط العربي، بمقدار يزيد على 200 ألف صوت، بسبب ضعف أداء القوى العربية المتمثّلة في الكنيست، وضمنه التوصية (سابقا) على الجنرال بيني غانتس كرئيس حكومة من دون أي مقابل، وهو الذي ضرب عرض الحائط بتلك التوصية. ثانياً، اختلافات القوى العربية الرئيسية، إذ كل واحدة منها مختلفة مع الأخرى، وهذا ينطبق على الجبهة والتجمع والإسلامية والعربية للتغيير. ثالثاً، لا شكّ أن الإحباط المتشكل من انسداد خيار الدولة الفلسطينية، ومسار التطبيع بين بعض الدول العربية وإسرائيل، عزّز من النزعة المحلية، أو المطلبية، لدى قطاع من فلسطينيي 48، على حساب النزعة الجمعية المحملة بالحقوق السياسية والوطنية. رابعاً، كان واضحاً، لأسباب كثيرة داخلية وخارجية، بأن الصوت العربي بات ساحة يمكن أن تلعب بها الأحزاب الإسرائيلية أكثر من أية فترة مضى، وهو ما تجلى، مثلا، في زيارات نتنياهو لبعض المدن العربية، إذ حصل حزبه ليكود على أكثر من 21 ألف صوت من العرب. في التفاصيل فقد استطاعت “القائمة المشتركة” (التي تضم “الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة”، و”التجمع الوطني الديمقراطي”، و”الحزب العربي للتغيير”/الطيبي)، الاستحواذ على ستة مقاعد فقط، بمجموع أصوات قدرها 212048 صوتًا، أما “القائمة الموحدة” (الحركة الإسلامية الجنوبية) فحصلت على أربعة مقاعد، بمجموع أصوات قدرها 167132 صوتًا، أي إن القائمتين حصلتا معًا على نحو 380 ألف صوت، في حين إنها حصلت في انتخابات الكنيست السابقة (2020) على 581507 صوت، والسبب تدني نسبة المشاركة العربية في الانتخابات، من 65 في المائة في الانتخابات السابقة (2020) إلى 45 في المائة هذه السنة (بين الإسرائيليين عموما 67 بالمئة)؛ وهي أدنى نسبة تصويت بين العرب منذ أواسط التسعينيات، علما إنها وصلت في العام 1996 إلى 79 بالمئة. أما فيما يخص اتجاهات التصويت، فقد صوّت 81 بالمئة من الناخبين العرب للقائمتين العربيتين (87 بالمئة في الانتخابات السابقة)، في حين صوّت 19 بالمئة للأحزاب الصهيونية (80 ألف صوت)، إذ حصل حزب ليكود على 26 بالمئة منها، يليه حزب ميرتس بنسبة 19 بالمئة، ثم حزب يسرائيل بيتينو (إسرائيل بيتنا) بنسبة 17 بالمئة، ثم حزب ييش عتيد (يوجد مستقبل) برئاسة يائير لبيد بنسبة 11 بالمئة، والباقي لأحزاب صهيونية أخرى. ثمة استنتاجات عديدة من تلك التجارب الانتخابية، أولها، أن ثمة كتلة صلبة تقاطع الانتخابات تناهز على حوالي 30 بالمئة من الفلسطينيين (هذه المرة وصلت نسبة المقاطعة إلى 55 بالمئة). وثانيها، إن نسبة المشاركة تحددها الظروف السياسية، الداخلية والخارجية، التي تجري فيها كل انتخابات. وثالثها، إن مجتمع الفلسطينيين بحاجة إلى تجديد سياسي حقيقي، سيما مع تراجع مكانة الجبهة، التي كانت دوما في المكانة الأولى، ومع انحسار مكانة التجمع. أما الانتخابات الحالية، فهي تمخضت عن خسارة متعددة الأوجه للقائمة العربية المشتركة، بقيادة أيمن عودة، فهي، أولا، خسارة لخمسة مقاعد، ولوضعية القائمة كالقوة الثالثة في الكنيست بعد ليكود وحزب أبيض ـ أزرق. وثانيا، هي خسارة لمكانتها بوصفها ممثلة لفلسطينيي 48 في إسرائيل، وفي الكنيست. وثالثا، هي خسارة لمكانتها إزاء شعبها، كممثلة للصوت العربي، ولكونها المعبرة عنهم والقائدة لكفاحهم. ورابعا، فإن ضعف التصويت العربي هو خسارة لكل القوى المنضوية في إطار القائمة المشتركة، سيما للجبهة والتجمع. في المقابل، يبدو مما تقدم أن القائمة الموحدة، التي تمثل الجناح الجنوبي في الحركة الإسلامية (بقيادة منصور عباس) هي الرابح الأساسي في التصويت العربي، في الانتخابات الإسرائيلية، إذ إنها باتت بمثابة القوة الأكبر بين الكيانات السياسية لفلسطينيي 48، وهي مفاجأة بحد ذاتها. فوق ذلك فإن تلك القائمة أضحت بمثابة لاعب أساسي في لعبة التشكيل الحكومي في إسرائيل، في المفاضلة بين هذا المرشح أو ذاك لتشكيل الحكومة الإسرائيلية، سيما بين بنيامين نتنياهو، ومنافسه يائير ليبيد زعيم حزب “يوجد مستقبل” (17 مقعدا). طبعا ثمة عوامل عديدة سهلت على القائمة الموحدة ذلك، الأول، أزمة الكيانات السياسية لفلسطينيي 48، وقصورها السياسي، سيما أن أطرافا منها تصرّ على التصرف كأنها جزء مستقل عن الشعب الفلسطيني وعن قضيته، والثاني، استمراء مجمل أطراف القائمة المشتركة، بهذا القدر أو ذاك، للعبة التأثير والدوران في فلك ما يسمى اليسار الإسرائيلي أو يسار الوسط، بدعوى تحقيق بعض المكتسبات الانتخابية أو الحزبية. والثالث، أزمة الحركة الوطنية الفلسطينية، بتحولها من حركة تحرر إلى سلطة تحت الاحتلال، وضياع مشروعها المتعلق بدولة في الضفة والقطاع، مع اعتبارها فلسطينيي 48 كمجرد رقم في المعادلات السياسية الإسرائيلية. في الدروس المستفادة لعل أهم ما يفترض ملاحظته هو إدراك أن قوة الصوت، أو التمثيل العربي، في الكنيست تنبع من المتاح في الهامش الإسرائيلي، أي إنها محددة، أو مقيدة، في المجال المدني، وفي الحقوق الفردية، فقط، في حين إن الكنيست يستعصي في مجال الحقوق الوطنية والجمعية للفلسطينيين كشعب أو كجزء من شعب، لذا فإن الفلسطينيين معنيين ببلورة كيان سياسي لهم، ربما على شكل برلمان موازي، باعتباره الأداة التي يمكن من خلالها تعبئة قوى المجتمع الفلسطيني في إسرائيل، للدفاع عن حقوقه الجمعية والوطنية، وللتعبير عن انتمائه كجزء من شعب فلسطين، وربما إن ذلك يتطلب تطوير مكانة لجنة المتابعة العليا، على قواعد مؤسسية وتمثيلية وانتخابية. كما إن ذلك يفترض بداهة الربط بين المصلحي والمبدئي، أو بين الحقوق الجمعية والوطنية وبين الحقوق الفردية والمدنية، لإن الفصل أو الإغراء بالفصل لا يجدي.

مشاركة :