ماجد كيالي يكتب: ملاحظات أولية على المشاركة العربية في الانتخابات الإسرائيلية

  • 11/5/2022
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

أتت نتائج الانتخابات الإسرائيلية للكنيست الـ 25 (1/11/2022) لصالح تحالف تيارات اليمين القومي والديني المتطرف، بدلالة تمتع نتنياهو، زعيم حزب ليكود (32 مقعدا في الكنيست)، بقوة فائضة قدرها 64 مقعدا (من 120 في الكنيست)، وذلك لأول مرة بعد إخفاق أربع دورات انتخابية سابقة (مرتين في العام 2019 ومرتين في العامين 2020 و2021)، ما يتيح له إدارة ولاية كاملة، في حال استقرار المعطيات السياسية الدولية والإقليمية والمحلية، وبدلالة صعود حزب الصهيونية الدينية الكهاني/الفاشي، الذي أضحى في مكانة الحزب الثالث، أو القوة الثالثة، في الكنيست (14 مقعدا)، وفي المشهد السياسي الإسرائيلي، بعد حزبي ليكود، و”ييش عيتيد” (“يوجد مستقبل”)، الذي بات بمثابة الحزب الثاني في إسرائيل (24 مقعدا في الكنيست)، وكحزب يقود المعارضة. ما يفترض الانتباه إليه هنا أن تلك النتائج تعني، أيضا، تقلص ادعاء إسرائيل عن ذاتها كدولة يهودية وديمقراطية، لصالح طابعها كدولة لليهود، الأمر الذي تم التعبير عنه سابقا بصك الكنيست قانون أساس (2018) اعتبر إسرائيل بمثابة الدولة القومية للشعب اليهودي، ما ينجم عنه حرمان الفلسطينيين من حقوق المواطنة المتساوية، كما حرمانهم من تقرير مصيرهم، كجماعة قومية، في بلدهم، رغم أنهم أصحاب الأرض الأصليين. وفي الواقع فإن ما حصل يفيد أننا إزاء إسرائيل مختلفة عن السابق، تظهر علانية بدون الغلافات العلمانية والحداثية والليبرالية والديمقراطية التي كانت تتغطى بها سابقا، والتي كانت تقدم نفسها عبرها كامتداد للغرب في الشرق الأوسط. ثمة استنتاجان هنا، الأول، يفيد بأن تضييق هامش الديمقراطية لن يطاول، أو يضيق، على الفلسطينيين فقط، إذ أن ذلك سيطاول الإسرائيليين ذاتهم، أي العلمانيين، والليبراليين، والديمقراطيين، الذين سيجدون أنفسهم كشعبين يهوديين، كل شعب يقف إزاء الآخر، إذ دولة المتدينين والمستوطنين، تبتلع الدولة الأخرى، بعد تعايش لعقود. أما الثاني، فهذا يعني أن إسرائيل تتجه نحو نزع، أو تقليص، مواطنة فلسطينيي 48، أو التقليل من حدودها، بحيث تكشف تماما عن تعاطيها مع الفلسطينيين، سواء من مواطنيها، أو من فلسطينيي الأراضي المحتلة (1967) بسوية واحدة، نظريا وعمليا. فيما يخص الفلسطينيين فإن مشكلتهم أنهم لم يستطيعوا التعامل مع إسرائيل، على التناقضات الكامنة فيها، بين علمانيين ومتدينين، وشرقيين وغربيين، ويسار ويمين، وفقراء وأغنياء، ومستوطنين قدامى ومستوطنين جدد، بطريقة تمكنهم من الاستثمار بهذه الفوارق والتناقضات، إن بسبب اختلافاتهم، أو بحكم ضعف كياناتهم، كما بواقع قصور إدراكاتهم لطبيعة إسرائيل، وهذا ينطبق على الحركة الوطنية الفلسطينية، المتمثلة في منظمة التحرير والفصائل المنضوية فيها، أو المعارضة لها، كما يشمل الكيانات السياسية لفلسطينيي 48. هكذا، فقد خسر فلسطينيو 48 حوالي خمسة مقاعد في الانتخابات الإسرائيلية (وهو ما تحقق في انتخابات الكنيست 23 لعام 2020 لدى خوضهم الانتخابات في قائمة مشتركة)، وتم تضييع حوالي 138 ألف صوت، بسبب عدم توافق الأحزاب العربية، وانغلاقها على ذاتها، وأنانيات قياداتها، الأمر الذي أدى إلى تفكك ظاهرة القائمة العربية المشتركة، مرة بخروج الجبهة العربية الموحدة (الحركة الإسلامية الجنوبية)، ومرة بإخراج التجمع الوطني الديمقراطي من تلك القائمة، التي اقتصرت في الانتخابات الأخيرة على الجبهة الديمقراطية للسلام والمساواة، والحركة العربية للتغيير (أحمد الطيبي). في هذا الإطار يفيد التذكير، من الناحية المبدئية، بأن الكنيست ليس هو المكان الملائم لفرض الحقوق الوطنية الجمعية لفلسطينيي 48، لأنه الدولة تعتبر نفسها يهودية/صهيونية، استعمارية واستيطانية، وبالتالي عنصرية كونها تميز إزاء الفلسطينيين من مواطنيها، وإنما هو مكان للدفاع فقط عن الحقوق الفردية المدنية للفلسطينيين فيها، ما أمكن ذلك. أيضا، قد يمكن اعتبار الكنيست بمثابة منبر لفضح إسرائيل كدولة تنتهك الحقوق الوطنية الجمعية للفلسطينيين، وكدولة استعمارية وعنصرية، وفوق ذلك فهو كمنبر يمكن أن يعزز تبلور قيادة فلسطينية، كجزء من القيادة الوطنية للشعب الفلسطيني، وليس كتابع، أو ملحق، أو ديكور، لإعادة الاعتبار للتطابق بين شعب فلسطين وأرض فلسطين وقضية فلسطين، بدل الانصياع للرؤية الإسرائيلية بتفكيك الشعب والأرض والقضية. في النتيجة فقد تمخض التصويت العربي في الكنيست، الذي كان بنسبة 53 بالمئة، عن الفوز بعشرة مقاعد، خمسة للجبهة الموحدة (الإسلامية) بواقع 194 ألف صوت، وخمسة للقائمة المشتركة بين الجبهة الديمقراطية والحزب العربي للتغيير بواقع 179 ألف صوت، في حين لم تفز قائمة التجمع الوطني الديمقراطي رغم أنها حظيت بـ 138 ألف صوت (كانت بحاجة لـ 154 ألف صوت لتجاوز عتبة الحسم). ثمة عدة استنتاجات من ذلك، على النحو الآتي: ١- تيار المقاطعة هو التيار الأقوى في المجتمع الفلسطيني في ٤٨، سيان بسبب معاقبة القوى السياسية التي لم تتفق، أو بسبب مقاطعة مبدئية، أو بسبب اللامبالاة. ٢- بدت الحركة الإسلامية الجنوبية بمثابة التيار الأكبر بين التيارات السياسية المشاركة. ٣-استطاع حزب التجمع أن يؤكد وجوده كتيار، رغم الحصار والعزل وقلة الموارد. ٤ – تراجعت القوة التصويتية للجبهة، إذ بدت كتيار سياسي متقادم سياسيا، وتنظيميا. هكذا، أضعف غياب التوافق من تبلور مركز قيادي لفلسطينيي ٤٨، ومن قدرة فلسطينيي 48 على الاستثمار في التناقضات السياسية الإسرائيلية. على ذلك فإن الفلسطينيين معنيين ببلورة كيان سياسي لهم، ربما على شكل برلمان موازٍ، باعتباره الأداة التي يمكن من خلالها تعبئة قوى المجتمع الفلسطيني في إسرائيل، للدفاع عن حقوقه الجمعية والوطنية، وللتعبير عن انتمائه كجزء من شعب فلسطين، وربما إن ذلك يتطلب تطوير مكانة لجنة المتابعة العليا، على قواعد مؤسسية وتمثيلية وانتخابية.

مشاركة :