هل كان موكب المومياوات الملكية قيامة مصرية جديدة؟ بالتأكيد هو كذلك، لقد حرّك حفل نقل المومياوات من متحف التحرير إلى متحف الحضارة روحًا مختلفة، أو لنقل استحضرها من ماضٍ بعيد، روح الانضباط والدقة، روح السعى وراء الصورة المكتملة، روح حُب ما نفعل من أجل أن نفعل ما نحب. ظهر الانضباط بشكل كبير فى كل أركان العمل، أزياء منضبطة، أضواء مبهرة مستخدمة بشكل صحيح، لا مبالغة فيها ولا تقليل، موسيقى مناسبة يغلب عليها الطابع الجنائزى الدينى المتناغم مع فكرة نقل مومياوات ملكية، بروتوكول حركة، وسيناريو على مستوى احترافى عالمى، وأخيرًا نقل تليفزيونى راقٍ، استطاع أن يقدم صورة حية لما كان يحدث فى عدة أماكن، مع ربط تزامنى مدهش، جعل المشاهدين فى العالم كله وكأنهم يعيشون وسط الأجواء لحظة بلحظة. التحية واجبة لفريق العمل كله، بداية من وزير الآثار خالد العنانى، الذى كان حضوره رائعًا، بكلماته الموزونة الدقيقة، ووصولًا إلى أصغر المشاركين فى العرض. التحية واجبة لهؤلاء، خصوصًا أننى أعتبرهم أصحاب القيامة التى أسلفت ذكرها سابقًا، هم أصحاب الصورة التى بسببها شعر المصريون بالفخر والانتماء لبلدهم ولوطنهم ولتاريخهم المشرف. الحفاظ على هذه الحالة التى طغت على الشارع المصرى يمكن استثمارها بشكل إيجابى، يمكن البناء عليها لما هو مستقبلى، يمكن استخدامها لتكون نموذجًا للإتقان فى العمل، وهو ما نفتقده بالفعل فى كثير من القطاعات. ولا أعتبر مسألة إيقاف تصوير مسلسل «الملك»، المأخوذ عن رواية «كفاح طيبة» لنجيب محفوظ، والذى يحكى قصة كفاح أحمس من أجل طرد الهكسوس، بعيدة عن هذه الحالة التى أتمنى بشكل شخصى استثمارها للحفاظ على معنى الإتقان فى العمل. لا أريد الدخول فى أمور تبدو خلافية، مثل طريقة معالجة النص الإبداعى والتاريخى، وما فى دائرتها من لحية أحمس أو أزياء بطل أو بطلة، أو حتى الحقائق التاريخية التى يستند عليها العمل، وكذلك لا أريد الدخول فى صراعات الغاضبين من إيقاف المسلسل والمطالبين بذلك، وخناقات السوشيال ميديا وتأثيرها على صناعة الفنون، بل أريد فقط التأكيد على ضرورة الإتقان فى العمل، والذى لاشك فى أنه، إن حدث، فسيشكل نقلة مهمة للفنون فى مصر بشكل عام. المشاهد المتداخلة التى شهدتها مصر خلال الأسبوع الماضى كفيلة بأن نستخلص منها الجيد من الردىء، مَن حريص على إعادة اكتشاف مصر من جديد، ومَن يُعرِّضها للخطر. المقال: نقلاً عن "المصري اليوم".
مشاركة :