إميل أمين يكتب: أوستن إلى إسرائيل.. التوقيت والأهداف

  • 4/12/2021
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

إلى إسرائيل، محمولا على طائرة يوم القيامة الأمريكية، والتي تعد وحدة من وحدات البنتاغون، وتكفي لإدارة حرب نووية من السماء، وصل وزير الدفاع الأمريكي الجنرال لويد أوستن، إلى تل أبيب، في أوقات مشحونة ومأزومة، إقليميا ودوليا. لماذا في هذا التوقيت؟ وما الهدف من تلك الزيارة؟ علامات استفهام لا ندعي أننا نملك عنها جوابا شافيا وافيا، وإنما هي اجتهادات نسعى من خلالها لتفهم طبيعة الأحداث، ومجريات الأمور في منطقة قلقة وحائرة منذ زمن بعيد. مفتتح الكلام يبدأ من عند أداة نقل أوستن من الولايات المتحدة الأمريكية، ولماذا هذه الطائرة المحاطة بالكثير من الأسرار حتى الساعة، والمعروف عنها أقل بكثير من حقيقتها، وهنا تبقى  التساؤلات مفتوحة، وفي مقدمها هل كانت الرحلة تجربة سرية لرحلات أخرى عما قريب، يمكن أن تجري بها المقادير بين واشنطن ودول الشرق الأوسط، لا سيما إذا حدثت القارعة بين واشنطن وطهران، أو تل أبيب وطهران؟ الغموض في هذه الجزئية سيد الموقف، لكن لا بأس من البحث، سيما وأن ما يقال اليوم همسا في المخادع، سينادى به في الغد من على السطوح. يأتي التوقيت مثيرا، وكأن واشنطن أرادت استباق رحلة رئيس جهاز الاستخبارات الخارجية الإسرائيلي، الموساد، يوسي كوهين، إلى واشنطن، بهدف تقديم أدلة ومعلومات استخبارية   تشير إلى أن إيران تخفي معلومات بشأن برنامجها النووي، بحسب الادعاءات الإسرائيلية. ليس سرا أن الكيمياء بين الرئيس الأمريكي جوزيف بايدن، ورئيس وزراء إسرائيل بنيامين نتانياهو ليست على ما يرام، وعند الجانب الأمريكي شكوك واضحة تجاه نوايا تل أبيب لجهة طهران. يذهب البعض إلى أن المحاولات الإسرائيلية المتسارعة لترتيب موعد في واشنطن لـ “يوسي كوهين” هدفها استعراض معلومات استخبارية وأدلة أمام الإدارة الأمريكية تشير إلى استمرار إيران بالكذب وإخفاء معلومات بما يتعلق ببرنامجهم النووي خلال الاتفاق النووي السابق وحتى هذه الأيام. كل الدلائل في الأفق تقطع بأن تل أبيب لا تثق في توجهات إدارة بايدن، وأن هدف رحلة كوهين الأساسي هو محاولة إقناع المسؤولين الأمريكيين بأنه لا توجد حاجة لاتفاق جديد قريبا، وإنما تشديد الاتفاق الأصلي. هل أضحى الملف الإيراني متقدما على الملف الفلسطيني بالنسبة للطرفين الأمريكي والإسرائيلي؟ أغلب الظن في هذا التوقيت، أن ذلك كذلك، حتى وإن بقي سر ركض إدارة بايدن وراء إيران وملاليها غامضا وغير مفهوم، لا سيما أنه كلما  قدمت واشنطن تنازلا، أو اقتربت خطوة،  استمرأت طهران غيها السادر، والذي يتجلى اليوم في تركيب أجهزة طرد أكثر تقدما وسرعة، وفي هذا ما يخيف الجانب الإسرائيلي، ما دعا نتانياهو لأن يؤكد بالتصريح لا بالتلميح إمكانية القيام بعمل منفرد تجاه برنامج إيران النووي. يحاول الجانب الأمريكي بطريق أو بآخر أن يداري مخاوفه من الفعل الإسرائيلي المنفرد، وبخاصة في ظل العناد الإيراني الواضح للعامة، وفي ضوء ما تملكه تل أبيب من معلومات خاصة من الداخل الإيراني. في المؤتمر الصحفي الذي أعقب وصول أوستن إلى تل أبيب، والذي جمعه مع نظيره الإسرائيلي بيني غانتس، تحدث الوزير الأمريكي عن شراكة الولايات المتحدة الأساسية مع إسرائيل، والتزام واشنطن بدعهما المستمر، والاتفاق على العمل معا عن كثب لتحسين التعاون الدفاعي بين البلدين. من بين علامات القلق التي صاحبت زياة أوستن توجس البعض من أن يكون في الأمر تدابير تسبق عملا أمريكيا حاسما وحازما جهة إيران، لا سيما وأن الأمريكيين يرون يوما تلو الآخر أن الملالي يوثقون علاقاتهم مع الشرق الآسيوي، وقد جاءت الاتفاقية الصينية الإيرانية لتفقد واشنطن الكثير من مربعات نفوذها في منطقة الخليج العربي، فقد بات لبكين موطئ قدم في قلب المنطقة، وحال استمر المشهد على هذا النحو، قد يصعب على واشنطن القيام بأي عمل عسكري تجاه طهران، ويعزز فرصها في حيازة السلاح النووي. ولعل ما دعا إلى تلك المخاوف، إشارة أوستن الواضحة إلى  أن المناقشات مع غانتس قد تطرقت إلى مسائل تشمل خطط إسرائيل بشأن الحصول على معدات دفاعية، إضافة إلى  صفقات مع دول عربية مسلمة كبرى، على حد تعبيره. لم يستطع غانتس أن يخفي وجود فجوة ما بين تل أبيب وواشنطن، ولهذا، وفيما كان يشكر الوزير أوستن، معبرا عن عمق العلاقات بين البلدين، أردف بالقول: “أقول للأعداء الذين يحاولون استغلال الاختلافات بيننا: لن تنجحوا”. يختلف مشهد ترتيب الأولويات بين إدارة بايدن، وإدارة سلفه ترامب، فالأخير ركز على تمكين تل أبيب وتثبيت أقدامها على  الأراضي الفلسطينية، بصورة مجافية ومنافية لكافة القوانين الوضعية، والشرائع والنواميس الأدبية والأخلاقية، عطفا على  التشريعات الدولية، فيما إدارة بايدن تحاول أن تقدم شيئا للجانب الفلسطيني، لكن لا يبدو أن التوقيت ملائم لفتح هذا الملف، فإيران تأخذ كل التفكير والتدبير. وفي كل الأحوال فإن مشهد الهجمات الإسرائيلية على السفن الإيرانية، قد تسبب في ارتباك لواشنطن، وهناك من استشرف إمكانية إتساع دائرة الفعل ورد الفعل، ومع سخونة الرؤوس تبقى هناك احتمالات لتحول الأمر إلى مواجهة شاملة. هل من خلاصة؟ حكما واشنطن مهمومة ومحمومة الآن شرقا في أوكرانيا، وفي بحر الصين الجنوبي، ولهذا غالبا ما كانت زيارة أوستن محاولة لإطفاء شرارة لهب كادت إسرائيل أن تشعلها مؤخرا مع طهران، وربما ستفعل في القريب العاجل، إذا تبين لها أن بايدن لا يمضي في اتجاه صالح ومصالح إسرائيل، والليالي دوما حبلى بالمفاجآت.

مشاركة :