نصح الحكيم ماركوس أوريليوس نفسه في كتابه "التأملات"، أن يجعل من طاقته قوة تستطيع التكيف مع الطبيعة من أجل السيطرة عليها والانتفاع بها، وأن يحصل على قدر من الاستجمام مع النفس ليفوز بالسكينة التي تعني الحياة التي يقودها العقل، وفق رأيه. يقول الحكيم في كتابه: إن القوة الحاكمة بداخلنا، حيثما كانت في توافُقٍ مع الطبيعة، تتخذ موقفًا مرنًا مع الظروف وتُكيِّف نفسها دائمًا بسهولة ويُسرٍ مع ما يَعرِض لها من أحداث، فهي لا تتطلب مادة معينة لعملها، بل تتجه إلى غرضها بأسلوب تكيفي فتحول أي عقبةٍ في طريقها إلى مادةٍ لاستعمالها. إنها أَشبَه بنارٍ تُسيطِر على أي شيءٍ يسقط في جوفها. قد تنطفئ الجَذوة النحيلة إثر ذلك، أمَّا النار المضطرمة فتتملَّك المادة التي تُركَم عليها، وتلتهمها وتَنزُو فوقها بفضل هذه المادة نفسها. وأضاف "ماركوس" خلال كتابه الذي يضم مقولاته وفلسفته: لا تفعل شيئًا من غير هدف، أو من غير وفاقٍ مع مبادئ الفن؛ فن الحياة.. إنهم يبحثون عن منتجعاتٍ لهم؛ في الريف، على البحر، على التلال، وأنت بصفةٍ خاصةٍ عُرضةٌ لهذه الرغبة المشبوبة، ولكن هذا من شيم الطَّغَاة؛ فما زال بإمكانك كلما شِئتَ ملاذًا أن تطلُبه في نفسك التي بين جنبَيك؛ فليس في العالم موضعٌ أكثر هدوءًا ولا أبعد عن الاضطراب مما يجد المرء حين يخلو إلى نفسه، وبخاصةً إذا كانت نفسه ثَريةً بالخواطر التي إذا أَظلَّته غَمرَته بالسكينة التامة والفورية، ولستُ أعني بالسكينة إلا الحياة التي يحكمها العقل ويُحسن قِيادها. وتابع: فلتمنح نفسك دائمًا هذا الاستجمام، ولتُجدِّد نفسك. ولتكن المبادئ العقلية التي سوف تعود إليها هناك وجيزةً وأساسيةً وكافيةً لأن تذهب بكل أَلمِكَ في الحال وتُعيدكَ إلى أموركَ المُستأنَفَة خاليًا من السخط عليها أو التبرُّم بها. ماركوس أريليوس، فيلسوف، وإمبراطور روماني، حكم في الفترة من 161 وحتى 180م، كان رجلا فاضلا بمعنى الكلمة، كرس حياته للأدب والفلسفة والمدرسة الرواقية، لقب بفيلسوف العرش، كتب هذه التأملات بشكل يومي باللغة اليونانية، ولم يقصد بها النشر أو مخاطبة القراء بل كان يكتبها لنفسه من باب التمرين والتدريب، تأثر بكثير من الفلاسفة السابقين مثل سقراط وهيراقليطيس.
مشاركة :