كتب الحكيم ماركوس أوريليوس حوارا مع النفس، يبين من خلاله مدى ركون النفس إلى الكسل والراحة في حين أن العقل يطلبها إلى الكد والاجتهاد يقول "ماركوس" خلال كتابه "التأملات" الذي يضم آراءه وفلسفته: في الصباح، عندما تجد نفسك غير راغبٍ في القيام، قل لنفسك: «إنني أصحو من نومي لكي أؤدِّي عملي كإنسان، أما زلتُ كارهًا أن أذهب لكي أؤدِّي ما خُلِقتُ من أجله وما وُجِدتُ في العالم لكي أُؤدِّيه؟ أم تُراني خُلِقتُ لكي أَلُفَّ نفسي بالأَغطية وأبقى دافئًا؟ - ولكن هذا أهنأ وألذ. - أَتُراكَ إذن خُلِقتَ لكي تنعم باللذة من دون أي شيءٍ من العمل والكد؟ ألا تَنظُر إلى الأشياء من حولك؛ النَّبتِ، والطيرِ، والنملِ، والعناكبِ، والنحل؛ كيف تسعى سويًّا، كلٌّ في عمله الخاص؛ لكي تحفظ نظام العالم، بينما تُعرِض أنت عن عملك ككائنٍ إنساني، ولا تخِفُّ إلى أداء ما تقتضيه طبيعتك ذاتها؟ – ولكن المرء بحاجةٍ إلى الراحة أيضًا. - حقًّا إنه بحاجةٍ إلى الراحة، غير أن الطبيعة وَضعَت حدودًا للراحة، مثلما وَضعَت حدودًا للطعام والشراب، بينما أنت تتجاوز هذه الحدود، تتجاوز حاجتَك. أمَّا في الأعمال المنوطة بك فأنت تُقصِّر عن الحد وتقف دون الحد الأدنى من قدراتك. إنك إذن كارهٌ لنفسك؛ فلو كنتَ تُحبها لأَحببتَ طبيعتَك وإملاءاتِها. - ولكن أولئك المُحبِّين لصنائعهم يُرهقون أنفسهم في أدائها فلا يغتسلون ولا يطعمون. - ولكن اعتبارك لطبيعتِك أدنى من اعتبار الحدَّاد لحِرفة الحِدادة، والراقص لحِرفة الرقص، ومُحبِّ المال لماله، ومُحبِّ الظهور لمجده الضئيل. على أن هؤلاء حين يأخذهم الحماس يتجافَون عن الطعام والنوم حتى يُتقِنوا الأشياء التي يَصبُون إليها. أترى أنت أن العمل لصالح الجماعة هو أقلُّ أهميةً من هذا وأقلُّ استحقاقًا للجهد؟! ماركوس أريليوس، فيلسوف، وإمبراطور روماني، حكم في الفترة من 161 وحتى 180م، كان رجلا فاضلا بمعنى الكلمة، كرس حياته للأدب والفلسفة والمدرسة الرواقية، لقب بفيلسوف العرش، كتب هذه التأملات بشكل يومي باللغة اليونانية، ولم يقصد بها النشر أو مخاطبة القراء بل كان يكتبها لنفسه من باب التمرين والتدريب، تأثر بكثير من الفلاسفة السابقين مثل سقراط وهيراقليطيس.
مشاركة :