شهر الرحمة والمغفرة

  • 4/14/2021
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

شهر الرحمة والمغفرة علي الشكري ليس من بين الأديان والمذاهب والطوائف وحتى البلدان ، من ليس له يوم أو شهر أو تاريخ مقدس ، يحتفي بمقدمه ويحتفل بحلوله ، له طقوسه وفيه مراسيمه وله خصوصيته ، واللافت أحياناً المتناقض في هذا التاريخ ، البعض يحتفل والآخر يرفع مراسم الحزن والعزاء ، البعض يعده يوم نصر والآخر يوم هزيمة ونكسة ، بل راح ابناء الدين الواحد والأمة الواحدة والقومية ذاتها يختلفون في تحديد اليوم ، والمناسبة وطبيعة الحدث ، ولكل دليله وما يسوق ويدلل ، حتى اصبح الاتفاق على اليوم والحدث والتاريخ والشخوص أمر نادر ، ومن بين الأشهر التي جمعت ولم تفرق ، ووحدت ولم تجزأ ، واتفق الجميع في طقوسها ولم تميز ، واحترم المختلفون في عقائدهم أيامها بين متعبد ومتحرز ، شهر رمضان ، حتى غدا هذا الشهر من بين النوادر الجامع ، عند المسلمين وغيرهم ، فهو من الأشهر الحرم المقدسة عند المسلمين ، والمميز عند غيرهم ، فيه يتعبد المتدين وكثيراً غيره ، له مراسمه الموحدة وطقوسه المميزة ، يتطلع اليه من تشبث بأستار الدين وذلك الذي انتسب اليه شكلاً دون مضمون ، بل راح غير المنتمي يترقب ويحتسب لحلوله ، مرة مراعاة لمشاعر المنتمي ، وأخرى بلحاظ التأثير والانعكاسات ، كيف لا وقد ميّز الخالق هذا الشهر بخصوصية النزول ، والنصر على الشرك ، واستشهاد المعجزة الذي راحت أخباره كما الشهر تجمع ولا تفرق ، في هذا الشهر يتساوى الأكثر فقراً وثراء ، الأشرف نسباً والأبسط ، القاصي والداني من معتنقي الدين ، فيه يلتزم المتدين بطقوسه ويراعي غيره محرماته ، التراحم عنوانه والمساواة رسالته ، الفقير غايته ، والمحتاج هدفه والمتمكن عضته ، يتساوى الجميع من المنتمين في اداء طقوسه ، يستعد لمقدمه الأكثر تدين والأقل وغير المتدين ، كل على طريقته ولغاياته ، هذه الحالة المثالية التي سعى الشارع الحكيم الى تجسيدها ، فليست الغاية من الصيام يقيناً الانقطاع عن الطعام والشراب ، لكن الكامن وراء هذه الطقوس ، الرجوع الى الإنسانية ، وملامسة مظاهر البشرية ، ومعايشة معاناة من شح عليه الرزق ، وتقطعت به مستلزمات الاستمرار ، وجفت عنده منابع الترف ، ولكن شتان بين الغاية والواقع ، وبين المأمول والمتحقق ، وبين السامي والمنجز ، فقد راح شهر رمضان تجسيداً للتمييز بين المتآخين في الدين والإنسانية والمعتقد ، إذا يزداد المترف في هذا الشهر ترفاً وبذخاً وأسرافاً ، وتتعمق معاناة الفقير والمحتاج ومن تقطعت به سبل الرزق ، تمتلىء موائد الغني بل سلال قمامته ، ويشح الرزق وقد يجف في موائد الفقير والمحتاج ، تغص المسارح والنوادي والمقاهي بالمرتادين ، ولا تجد الجوامع من يتعبد فيها ، ومن وجد منها راحت المساحات فيها متباعدة وأحيان متفرقة ، تتراجع في هذا الشهر جلسات التعبد والتهجد والتلاوة ، ويعلو صوت الطرب والغناء والمجون ، ينقطع من تظاهر بالتدين عن الطعام ، لكن يده طويلة طائلة ممتدة للمال العام والخاص والسحت وأكل الحرام ، تغيب في هذا الشهر مظاهر العمل التي جعلها الله عزة وكرامة ومزيد ، ويحل محلها السكون والانقطاع والتباطؤ بذريعة مشقة العبادة . لقد تلاعب المتأسلمون في كل مظاهر الإسلام ، فحولوه من دين يحمل الساميات من الغايات ، الى دين يتندر عليه المغرضون ، بعد أن حُرفت مبادئه ، وغُيرت أخلاقياته ، وقلبت مظاهره ، وشوهت غاياته ، فحول من شهر تعبد الى شهر استجمام ، ومن شهر تقريب الى شهر تفريق وتمييز ، ومن شهر تضييق للفوارق الى شهر تعزيز لها ، ومن شهر عودة للإنسانية الى شهر تعميق للوحشية ، الفقير يتضجور فيه جوعاً والغني يغص شبعاً ، الاذان يرفع بصوت خافت ، وصوت الطرب يعلو ، موائد تجف شحاً وغيرها يزداد إسرافاً ، الفقر يزداد ، والشح يتعمق عند من امتلئت خزائنه حتى غصت ، ويحدثونك عن الشهر الحرام وفي بلدان الإسلام تشتعل نيران الحروب والنزاعات البينية ، ويصفونه بشهر التراحم والتواصل والتقارب ، وفيه يتسع التباعد بين الغني والفقير ، واليه تتطلع الأفئدة وتهوي النفوس وتشخص الإبصار ، رغبة في عبادة وتطلع الى مغفرة ، وأمل في تقرب ، ومظاهر المجون تطفو ، والليالي الملاح تسود ، والساهرون على المفاسد في تزايد ، حتى راحت انوار المقاهي تتلألأ وتخفت اضواء الجوامع والمساجد ، ويسألونك عن غياب الرحمة ونزول البلاء وتفشي الوباء ، وقلت الرزق وشح الخير . لقد غيّر وحرّف وبدّل المتأسلمون المدعون مظاهر ومراسيم وطقوس الأشهر الحرم ، فتدخلوا في معتقد ، واستبدلوا مظهر ، وحرفوا طقوس ، ويعيبون مستهدف مستغرب متربص ، لم يجهد نفسه في البحث عن السقطات ، إذ وجدها شاخصة ناهضة ، لم يرجع الى الأصل المتجذر ، بلحاظ القائم الظاهر ، طقوس المنتمي شاهد ، وممارساته دليل . لقد تنكّر الاتباع لمبادىء الدين ، وتعاليم المتقدمين من السلف الصالح والمتأخرين من حاملي الرسالة ، فدب الضعف في جسد المسلمين ، حتى راحوا مستضعفين مترددين يتهددهم المتشددين ممن انحرفوا في عقائدهم فوجدوا في استهداف الإسلام والاتباع غاية ووسيلة لإثبات الولاء . على المخلصين من اتباع الدين ، العودة الى تعاليم الإسلام التي بشر بها القرآن ، وحمل رايتها الرسول الأعظم ، ومن بعده الأئمة الأطهار ومن ثبت واتبّع وسار على النهج ، فأيام رمضان أزفت ، وكراماته على الأبواب ، والناس في فقر وشقاء ووباء ، ليس أكبر أجراً من اطعام صائم ، وتمكين راغب ، وتيسير أمر متطلع لعبادات شهر ، فالجود شجاعة ، والمنح مكنة ، والتمكين هبة ، ومائدة رمضان تستوعب ، بعد أن انتشر الفقر وتفشت البطالة ، وشح الرزق ، وتقطعت السبل باتباع الدين ، ويقيناً أن كل تجارة قد تكسد وتزول الا التجارة مع الله قائمة رابحة .

مشاركة :