إن مايُشكل على العقل العربي ويُرهقه بما يشل حركته عن الترحال الى مستقبل تقدمي ناجز ذا قيمة مضافة، هو ذاكرته المهترئة والثقيلة بالأفكار المعيقة لكل مشاريع النهضة والحداثة والتقدم. قد يكون تقديس التراث والموروث أحد هذه المعيقات بعد الجهل طبعا ، حيث أن نظرة خاطفة الى بنيوية الحياة الاجتماعية العربية تُجلي بما لا يقبل الشك عن فكرة مفادها سيطرة التراث والجهل على المشهد الثقافي في حين لاتشكل المنهجية الدينية سوى نسبة متوسطة تكاد تتدني الى القليلة اذا ماعزلت عن التراث. لذلك يعتبر التحرر من التراث الفكري هو أولى خطوات نفض الغبار والتخلص من تلك العباءة. والتحرر يعني تجاوزه فقط باعادة ترتيب العلاقة بين اجزائه بعضها البعض من جهة وبينه وبيننا من جهة اخرى كطرف متأثر، بما يمكّننا ذلك من التكامل والتفاعل مع اللحظة الراهنة التي نعيش احداثها ونختبر جميع وقائعها. نحن لاندعو الى قطيعة استمولوجية مع التراث بقدر مانميل الى تطويعه ليكون أكثر مرونة وقابلية للتجديد والحداثة والتطور. فالانطلاقة النهضوية هي حقيقة وضرورة لامناص عنها للعقل البشري لذلك لابد من معرفة دقيقة للتراث وأهله لنتمكن من نشر الحداثة بنجاح. ومما يعاب على العقل العربي للأسف تقبله المشاهد الفكرية بنفس الطريقة التي يتقبل بها الطفل الرضيع للمشاهد الحسية البصرية والتي تتراءى أمام عينيه مشكلة له عالماً بدائيا يفتقد للبعد الثالث الذي يعتبر الدعامة الأساس للتحليل والتفسير والفهم لمجمل الحقائق والتصورات، فيظل عابقا في الفكرة التي تعجبه مقيداً بها خوفاً من اي نوع من انواع المغامرة مع غيرها والتي قد تكون أكثر ثراءً ومنفعة. لذا نحن نحتاج الى ترسيخ مبدأ منطقية الترحال عبر الزمن الثقافي وكذلك نحتاج الى ان نترك الاصرار غير المبرر على اجترار الماضي وتكراره واعادة انتاج التاريخ الثقافي بنفس البدائية والاخطاء ، حتى لانظل سجناء الرؤية والمنهج والمفاهيم القديمة. مضطرة على عجالة ان استفهم استفهاماً ساخراً بعض الشيء لكن فعلاً يصير الحيرة ؛ ما القيمة المضافة من استنساخ صراعات الماضي ومشكلاته !!! مالفائدة التي اجتنيناها عبر السنين من تلك الآلية ؟؟؟ لاشيء البتة بل انها صفراً في القيمة الايجابية لكنها مئةً في توجيهها للمستقبل وتدمير ها لأحدث منجزاته. إذا لابد أن يستوعب العقل العربي في بلداننا العربية أنه آن الأوان إلى انتاج فكر ناضج واعٍ وحيادي يجتاز الجمود والتعصب والتشدد والانغلاق للتمكن من الانطلاق الى فضاءات واسعة وأفق رحبة من التسامح الفكري والتطوري والديني الممنهج لخير الأرض والبشرية والانسان.
مشاركة :