سبق وكتبت ثلاث مقالات عن أعرق وأقوى العائلات في العالم.. تحدثت فيها عن عائلة روتشيلد وروكفلر ومورجان ودوبونت وبوش وتأثيرها على اقتصاد وسياسة الدول كافة.. وأشرت حينها إلى أنني وضعت شرطين أساسيين للاختيار والتصنيف: - الأول: امتداد نفوذ العائلة إلى خارج نطاق بلدها الأصلي (وتأثيرها على العالم أجمع سياسياً أو اقتصادياً). - والثاني: أن يكون تأثير العائلة قائماً حتى يومنا هذا ولم يبتلعه النسيان أو يدخل كتب التاريخ.. (ولهذا السبب لم أتحدث حينها عن عائلة رومانوف في روسيا، أو هابسبيرج في النمسا، أو مينج في الصين، أو الأشراف في الحجاز، أو غاندي في الهند).. وفي الحقيقة لم تكن عائلة "آل سعود" غائبة عن ذهني حين كتبت تلك المقالات، ولكنني لم أشأ دمجها ضمن سياق عائلات حققت نفوذها العالمي من خلف الكواليس (كما فعلت عائلة روتشيلد مثلاً التي موّلت الأطراف المتقاتلة في الحربين العالميتين، أو عائلة مورجان التي ضغطت على الحكومة الأميركية لحماية مصالحها في أوروبا وتمويل عملياتها العسكرية هناك)!! .. واختياري لعائلة آل سعود (كأعرق عائلة في تاريخنا العربي) اختيار محايد يعتمد على معايير مجردة نعرفها كلنا.. معايير اعتمدت على حجم التأثير في التاريخ والجغرافيا، والسياسة والاقتصاد، والنفوذ المحلي والتأثير العالمي - ناهيك عن الثقل المعنوي في العالمين العربي والإسلامي.. ويعود تأسيس هذه العائلة إلى مانع بن ربيعة المريدي الذي قدم مع أسرته إلى وادي حنيفة عام 1447م (أي قبل 568 عاماً) بدعوة من قريبه ابن درع أمير حجر اليمامة الذي منحه مناطق في وادي حنيفة أطلق عليها اسم الدرعية.. وفي حين يعود نسب العائلة إلى بني حنيفة، تشتهر بين الناس بانتسابها الى قبيلة عنزة.. وبهذا الخصوص قال الملك سلمان بن عبدالعزيز: "لو سئلت شخصياً لأجبت بأنني من بني حنيفة نسباً، ومن قبيلة عنزة حلفاً بسبب التداخل الكبير بين القبيلتين".. وهناك على الأقل ستة أسباب أو معايير مجردة دعتني لاختيارها كأعرق عائلة في عالمنا العربي: الأول: دورها التاريخي في توحيد أرجاء الجزيرة العربية وإقامة ثلاث دول فيها (السعودية الأولى والثانية والثالثة). والثاني: إدارتها اليوم لواحدة من أقوى الدول عربياً وأغناها دولياً وأكثرها امتلاكاً للموارد الطبيعية.. والثالث: توافق القبائل عليها محلياً، واحترامها عالمياً، وتأثيرها اقتصادياً، وتوليها مسؤولية الحرمين الشريفين.. والرابع: أنها تعد الأطول بقاءً في الحكم - من الناحية السياسية - والأكثر استقراراً مقارنة بأنظمة عربية وعالمية ظهرت وبرزت ثم ضعفت وسقطت خلال وجودها.. والخامس: أنها تعد الأكثر مرونة وذكاء في التعامل مع المتغيرات العالمية وتجاوز أزمات دولية كثيرة عصفت بالمنطقة (بدءاً بالمد القومي، ومروراً بتفجيرات سبتمبر، وانتهاء بالربيع العربي).. والسادس: صعوبة تجاهل تأثيرها على إمدادات الطاقة العالمية (من خلال دور السعودية القيادي في منظمة أوبك وحقيقة أنها أكبر مصدر للنفط وتملك ربع الاحتياطي العالمي).. ورغم سياستها الخارجية الهادئة سبق للعالم أن جرّب مرتين قدرة العائلة الحاكمة على قفل صنبور النفط حين يتعلق الأمر بكرامتها الوطنية أو مسؤوليتها التاريخية.. المرة الأولى حين هدد الملك عبدالعزيز بتأميم حقول النفط عام 1950 ما لم تحصل بلاده على أرباح عادلة من شركات النفط الأميركية، والثانية عام 1973 حين قرر الملك فيصل قطع الإمدادات النفطية عن أميركا والدول المساندة لإسرائيل في حرب أكتوبر.. .. من يعرف عائلة أعظم شأناً في عصرنا الحاضر (وبحسب المعايير المجردة أعلاه) فليخبرنا. لمراسلة الكاتب: falahmdi@alriyadh.net
مشاركة :