لا شك أن لليوم الوطني أهمية قصوى في مسيرة الوطن من أيام المؤسس إلى هذا اليوم، لأنه باختصار يجعل المواطنين أمام لوحة مكتوب عليها مسيرة الوطن منذ تأسيسه ومسيرته الزمنية. لكن هذا القول قد يحيلنا إلى صفحات عديدة من تاريخ المملكة المتشعب أصدر الملك عبدالعزيز مرسوماً ملكيا رقمه 2716 وتاريخه 17 /5/ 1351 ه يقضي بتغيير اسم مملكة الحجاز ونجد إلى المملكة العربية السعودية. وبهذا أضحى ذلك اليوم تاريخاً لليوم الوطني، وذكرى وطنية تتكرر كل عام، لتتذكر الأجيال المتعاقبة معنى ومغزى هذا التاريخ المجيد. ذلك اليوم يؤرخ اكتمال البناء الأساسي لدولة سعودية حديثة. ومن هنا جاء اعتبار ذلك اليوم يوماً مميزاً في جبين الزمن. والسؤال الذي يبرز للوهلة الأولى عن اليوم الوطني السعودي هو: ما أهميته وكيف نجعله يومًا مميزًا. لا شك أن لليوم الوطني أهمية قصوى في مسيرة الوطن من أيام المؤسس إلى هذا اليوم، لأنه باختصار يجعل المواطنين أمام لوحة مكتوب عليها مسيرة الوطن منذ تأسيسه ومسيرته الزمنية. لكن هذا القول قد يحيلنا إلى صفحات عديدة من تاريخ المملكة المتشعب. ومع أهمية تاريخ المملكة العربية السعودية الحديث والمعاصر، إلاّ أنه لا يكفي وحده لتشكيل ثقافة وطنية تتسق مع اليوم الوطني وأهميته. التاريخ ذاكرة الوطن، لكن الوطن يحتاج إلى أشياء أخرى ليصبح له يوم وطني مشهود. ويكاد يكون ملموسًا. وبالتالي فأهمية اليوم الوطني أن يكون العنوان الكبير لوطن نعتز به ونفخر به. أهمية اليوم الوطني أن أراه السماء التي تظلني، والأرض التي تقلني. والأم الرؤوم التي تؤيني. ولترجمة ما سلف إلى وسيلة قابلة للتنفيذ، علينا اتخاذ الثقافة الوطنية الواسعة، والتي تُشكل المكون الرئيس لمزاج أي شعب، يستمد منها تصوراته للعالم وبواعثه على السلوك. ثقافة وطنية تظهر سماتها واضحة على الأفراد والجماعات، ثقافة وطنية ألمسها وأراها وأسمعها في الوعي الفردي والوعي الاجتماعي. والسؤال الآخر هو كيف لي أن أصنع ثقافتي الوطنية. والجواب يكمن في ربط الثقافة الوطنية بالحس والسلوك. وعلينا أن نبني نماذجنا الخاصة بنا، والمنبثقة من: تاريخنا والبيئة المحيطة بنا، ومن ثقافتنا العربية الإسلامية. قضية النماذج الوطنية اختلف فيها الناس في دول عديدة. منهم من يرى أن تكون النماذج الوطنية محلية خالصة، ومنهم من يرى أن تكون منفتحة على الآخر وذات روح إنسانية. في ظني أن مزاج الشعب وتاريخ الشعب هما المسؤولان عن بنية الثقافة الوطنية. لو أخذنا الشعب السعودي كمثال لنعرف كيف نبني نماذج لثقافتنا الوطنية. أمامنا ثقافتان: عربية وإسلامية يشترك معنا ملايين من البشر فيهما. وبمعنى آخر نحن أمام ثقافتين: قومية ودينية، وإقليمية ودولية. لا مراء أن تلك المصطلحات تحمل في طياتها الكثير من المعاني الممتدة. وليس أمامنا إلاّ أن نبني النماذج بطريقة نجعل ثقافتنا الوطنية ذات دوائر، بحيث لا تطغى دائرة على الأخرى. الدائرة الأولى: القومية وهي مهمة لأنها تحيل إلى القوم، ولا وطن بدون قوم، لكن علينا ألاّ نذوب في مفهوم القومية خشية أن نصبح شوفونيين. الدائرة الثانية هي: الإسلامية. والإسلام ديننا ونبع من أرضنا. ونحن مسؤولون عنه. لكن علينا أن نوغل في مفهوم الدين برفق، حتى لا نصبح أمة دينية فقط، أمة لا وطن لها، ولا حدود معروفة. هذا الصنيع لم يعد قابلاً للتطبيق مع وجود الدولة القطرية ذات السيادة. الدائرة الثالثة إقليمية. وهذا لا مفر منه ذلك أن وطننا يعيش في فضاء إقليمي معروف، وأكاد أقول إن المملكة زعيمة إقليمية معاصرة. لكن علينا ألاً نكتفي بالإقليم فقط. الانفتاح والانسجام مع الدول هو ما يؤدي إلى صفة: دولي وهي الدائرة الرابعة. علينا أن نوازن بين حاجتنا ومصالحنا الإقليمية والدولية. وألاّ تشغلنا واحدة دون الأخرى. فالانكفاء مضر، والذوبان في الدولية يلغي شخصيتنا تماماً. من هذا نخلص أن يكون لنا ثقافة وطنية تأخذ من كل الدوائر بقدر. وتتكون الثقافة الوطنية التي نرومها من عناصر عديدة منها: الدين والتراث الديني، والتاريخ المحلي والعربي والإسلامي والعالمي، والِحكم والأمثال العامية، وسير الإبطال والملاحم الشعبية، وشواهد من تاريخ البطولة المحلية. ومن مكونات الثقافة الوطنية المزاج العام، واللحمة المجتمعية الصلبة، والمؤسسات المدنية، والإنجازات الحضارية، والانصهار المجتمعي، وأن تكون المقررات الاجتماعية والإنسانية التي يدرسها أبناؤنا وبناتنا ذات مرجعية محلية بقدر معلوم. وأختم بأن ثقافتنا الوطنية قد توصف بأنها ثقافة وطنية كلاسيكية. وأقول وما ضير أن توصف ثقافتنا الوطنية بالكلاسيكية. فبلدنا مثل مئات بلدان العالم الذين يملكون ثقافة وطنية كلاسيكية. ليس بالضرورة أن نتبنى وطنية حديثة كالوطنية الأميركية؛ فهي بلد حديث، وهي بلد مهاجرين، فالرابط الوطني فيها ليس اثني أو ديني، بل ثقافي علمي. فوادي السيليكون في كاليفورنيا أو هوليوود على سبيل المثال قد تُشكل أهم رابط في الثقافة الوطنية الأميركية. يومنا الوطني يتزامن مع عيد الأضحى. نحتفي بيوم الوطن ثم نفرح بعيد الأضحى، وكلاهما له دلالة ومرجعية. تزامن العيدين وتجاورهما هذا العام هو خير شاهد على مرجعياتنا ذات الدوائر المتعددة. فلا دائرة تطغى وتلغي الأخرى. وكل عام ووطني شامخ، وكل عام وأنتم بخير.
مشاركة :