د. عبدالله الغذامي يكتب: المنبوذات

  • 4/24/2021
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

لو أعطيت مئة روبية لولد فسيصرفها في حفلة أو في شراء أشياء ترفيهية، ولكن لو أعطيت بنتاً مئة روبية فستصرفها على احتياجات عائلتها، وإن تبقى شيء حفظته ادخاراً لوقت الحاجة. هكذا يقول تقرير يقف على حال النساء في الهند، وعن قيمة البنت ومعنى الحياة عندها، ولكن هذه البنت بكل معناها الراقي لا تساوي شيئاً عند المقارنة مع الولد، وهذه الأم الهندية تقول: الولد إن درس وتعلم فسيجد وظيفة، وإن لم يجد وظيفة فلا خوف عليه، لأنه سيرث مال أبيه، أما البنت فلا تنفعها الدراسة، لأنها مهما درست فستنتهي في المنزل تكنس وتطبخ، وستموت مشردة إن لم تتزوج، لأنها لا يحق لها الميراث ولا تنفعها الدراسة، وفي المقابل سترى في التقرير بنتاً في السادسة عشرة من عمرها وفي السنة الأخيرة في المدرسة الثانوية، لكنها لا تحس بالسعادة، وتقول: إنها في كل يوم تعود فيه من المدرسة ظهراً تشعر أنه سيكون اليوم الأخير، ولن تعود للمدرسة غداً، لأن أهلها يصرون على تزويجها، وتقول: إن متعتها الوحيدة هي حين تركب الحافلة في الصباح لتقطع 12 كيلومتراً ذهاباً للمدرسة وفي الحافلة تتلاقى مع زميلاتها ويصرفن بعض الوقت للحديث والتنكيت ويمارسن حرية الكلام والضحك، وتعرف أنها ستحرم من هذه المتعة، كما ستحرم من المدرسة، وهذا قدرها وقدر كل زميلة في سنها، وما هو أشد من ذلك حالة واحدة من البنات التي لم تولد أنثى فحسب بل ولدت في عائلة من المنبوذين، مما يجعلها ضحية لنبذ مضاعف، وما هو أقسى من ذلك كله أن كل النساء اللواتي تحدثن في التقرير لا يرين في ذلك ظلماً ولا قهراً، لأن المرأة لا تملك هذا الحق أصلاً وأنها تذهب للمدرسة فقط، كما تخرج لبيت الجيران للحديث مع بناتهم وإذا جاءها النصيب فستذهب لبيت زوجها، فهي من بيت لبيت، وقد يكون بينهما فسحة مؤقتة هي المدرسة لكن المدرسة ليست بيتاً وهي فقط مكان للأولاد دون البنات. هذه ليست حكاية من ألف ليلة وليلة، بل هو تقرير بثته قناة «فرانس 24» يوم الخميس 11 مارس 2021، ومهما كان مؤلماً ومحزناً فهو يظل يمثل صورة المرأة في الثقافة، وهي صورة كونية تتستر تحت غطاء كثيف أحياناً وشفاف أحياناً أخرى، وخطرها يتعمق حين تقبل به النساء كما حدث مع نساء التقرير اللواتي لم يظهرن أي استنكار لهذه المعاني السالبة والجائرة إنسانياً وعقلانياً وحقوقياً، حتى لكأن المرأة معنى مؤقت حسب الظرف الذي تكون فيه. والوعي هنا يخادع نفسه عبر تزييف الوعي ذاته ليجعل من الذل حقيقة واقعية تسلم بها الثقافة العامة وتردع من تخالفها، والمخالفة هنا ستكون بمثابة المخالفة لقانون طبيعي وأي اعتراض عليه يخرج البنت من نظام الحياة العامة، ولذا فالتسليم به هو الضمان الوحيد للبقاء على قيد الحياة وقيد القبول المجتمعي.

مشاركة :