الصِّدْقُ طُمَأْنِينَةٌ وطريق النجاة في الآخرة

  • 4/26/2021
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

مدح الله عز وجل الصدق والصادقين وأثنى عليهم في كتابه العزيز، فقال سبحانه وتعالى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ)، لذا تعد منزلة الصدق في الدين عظيمة، ومرتبته في الشرع جليلة، حتى إن الأمم تعاهدت على فضل الصدق، وكانت العرب قديماً تستحي أن ينسب إلى الرجل فيهم بالكذب، ولقبت قريش رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل بعثته بالصادق الأمين، ولعلو صفة الصدق تقول عائشة -رضي الله عنها-: مَا كَانَ خُلُقٌ أَبْغَضَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْكَذِبِ. وعَنْ أَبِي الحَوْرَاءِ السَّعْدِيِّ، رَبِيعَةَ بْنِ شَيْبَانَ، قَالَ: قُلْتُ لِلْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ: مَا حَفِظْتَ مِنْ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-؟ قَالَ: حَفِظْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: «دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لاَ يَرِيبُكَ، فَإِنَّ الصِّدْقَ طُمَأْنِينَةٌ، وَإِنَّ الكَذِبَ رِيبَةٌ». إذ إن الصدق سبب للطمأنينة، وراحة للبال، وسكينة للنفس، فإذا كان الإنسان صادقاً فإنه يكون هادئ القلب، مرتاح الضمير، فيبقى ثابتاً مطمئناً لا تزعزعه الفتن، ولا تقلقه البلايا والنوازل، وذلك لما في قلبه من الصدق الذي صار به مطمئناً مقتنعاً بما يعتقد، أما الكذب والريبة فترى صاحبهما قلقاً مضطرباً لا يثبت على شيء، وهذا مصداق قوله - صلى الله عليه وسلم: «فَإِنَّ الصِّدْقَ طُمَأْنِينَةٌ، وَإِنَّ الكَذِبَ رِيبَةٌ»، وقد كان عليه الصلاة والسلام حامل لواء الصدق قبل الرسالة وبعدها، حتى لقب عليه الصلاة والسلام قبل بعثته «بالصادقِ الأمينِ» فكانت ملامح الصدق تشع من وجهه الشريف. وكان أصدق الصادقين، يكفيه صدقاً صلى الله عليه وسلم أنه أخبر عن الله، بعلم الغيب، وائتمنه الله على الرسالة، فأداها للأمة كاملة تامة، لم ينقص حرفاً، ولم يزد حرفاً، وبلغ الأمانة عن ربه بأتم البلاغ، فكل قوله وعمله وحاله مبنيٌ على الصدق، فهو صادقٌ في سلمه وحربه، ورضاه وغضبه، وجده وهزله، وبيانه وحكمه، صادقٌ مع القريب والبعيد، والصديق والعدو، والرجل والمرأة. وعقد البخاري، رحمه الله تعالى، في كتابه الجامع الصحيح باباً بعنوان: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ). أي: كونوا مع الصادقين في أقوالهم وأفعالهم وأحوالهم، لأن الصدق طريق السلامة والنجاة في الدنيا والآخرة، وأنه لا ينفع العبد وينجيه من عذاب الله يوم القيامة إلا صدقه، قال تعالى: (فَلَوْ صَدَقُوا اللَّهَ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ). ويقول الله عز وجلَّ: (هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَداً رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ). والصدق هو ما اتفق العقلاء على قدره، وتعاهدت الأمم على فضل الصدق حتى أن العرب قبل الإسلام كانت تتفاخر بالصدق وتُعظم الصادقين، وتُنَفِّر من الكذب وتهجو الكاذبين، فهذا أبو سفيان بن حرب قبل إسلامه، ومعادياً للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، يذهب في رهط من قريش في تجارة إلى الشام، فيسمع بهم هرقل ملك الروم، ليسأَل عن النبي -عليه الصلاة والسلام- وصفاته؟ فيجيبه قائلاً: وَاللَّهِ لَوْلا الْحَيَاءُ يَوْمَئِذٍ مِنْ أَنْ يَأْثُرَ أَصْحَابِي عَنِّي الْكَذِبَ لَكَذَبْتُهُ، خَشي أبو سفيان أن تُؤثر عليه كذبة، فتكلم بالصدق ولم يكذب مع مخالفته للنبي صلى الله عليه وسلم، له يومه ذاك، فكانوا يترفَّعُون عن الكذبِ، ويستحونَ من أن ينسب إليهم. فكان -عليه الصلاة والسلام- صادقاً في نفسه ومع الناس، في حضره وسفره، وحله وإقامته، ومحاربته ومصالحته، وبيعه وشرائه، وعقوده وعهوده ومواثيقه، وخطبه ورسائله، وفتاويه وقصصه، وقوله ونقله، وروايته، وكان الكذب من أبغض الخصال والصفات إليه صلى الله عليه وسلم، تقول عائشة -رضي الله عنها-: مَا كَانَ خُلُقٌ أَبْغَضَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْكَذِبِ. ويتضح من ذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم، هو سيد الصادقين وإمامهم، فهو الذي جاء بالصدق من ربه، وصدقه الصادقون، والصدق يورث الطمأنينة والراحة والسكينة، وهو طريق النجاة والفوز في الدنيا والآخرة.

مشاركة :