وسط عتمة دامسة يجول المسحراتي ماجد السوسي مستعينا بدراجته الهوائية ، قارعا بملعقة متوسطة الحجم على طنجرة نحاسية عتيقة في أزقة بضعة مخيمات وتجمعات للنازحين السوريين بجنوب لبنان، داعيا المؤمنين إلى الأستيقاظ قبل صلاة الفجر لتناول وجبة خفيفة تعينهم على الصوم حتى مغرب اليوم التالي. الأربعيني السوسي والأب لثلاثة أطفال النازح من ريف أدلب إلى مخيم مرج الخوخ بجنوب لبنان ، أشار لوكالة أنباء ((شينخوا)) إلى أنه تطوع بملء إرادته لمهمة ايقاظ الصائمين في 12مخيما وتجمعا متجاورة للنازحين يتحاوز عدد قاطنيها نحو4 آلاف نازح. وأضاف استيقظ حوالي الساعة الثانية فجرا وارتدي ثيابا ثقيلة وقبعة صوفية ومتسلحا بعصا خشبية تحسبا لهجمات الكلاب الشاردة أو الخنازير البرية . وقال إنه يطلق نداءات المسحراتي التقليدية ومنها "إصحى يا نايم، وحد الدايم، وحد الله، قوموا إلى سحوركم، فإن في السحور بركة". وأوضح السوسي أن والده كمال الذي قضى بقذيفة مع بدايات الحرب السورية منذ حوالي 8 سنوات كان مسحرا وأنه كان يشاركه عمله طيلة الشهر الفضيل. وعن الفارق بين تلك الفترة واليوم قال "كنا في سوريا نتحرك في الأحياء المضاءة وعلى الطرقات المعبدة وسط الزينة الرمضانية، على عكس اليوم حيث أمشي بحذر في المخيمات العشوائية في ممرات ترابية تغزوها مجاري المياه الصحية المكشوفة". وقال استعين بدراجتي الهوائية في انجاز مهمتي وسط تجمعات النازحين في بلدات مرجعيون والخيام والوزاني وسردة والمجيدية والعباسية والماري والتي تستغرق ساعتين من الزمن أقطع خلالها مسافة تتجاوز 11كيلومترا ذهابا وأيابا" وأضاف "رغم من طول المسافة والمشقة أشعر عند انجاز مهمتي بغبطة وراحة نفسية كما أفرح حين يلاقيني الأطفال في أزقة المخيم مما يعني أن شخصية المسحر ما تزال محببة في شهر رمضان المبارك". وقال النازح من حلب إلى مخيم المجيدية أحمد ماضي لـ ((شينخوا)) "كنا نتكرم على المسحراتي بنهاية شهر رمضان بما يعيله وعائلته لكن مع تردي وضعنا الاقتصادي في ظل تفشي كورونا بتنا عاجزين عن تقديم أية مساعدة لهذا الرجل الغيور الذي نذر نفسه لعمل الخير دون مقابل". بدورها قالت النازحة الخمسينية من ريف حماة إلى الوزاني بجنوب لبنان سهيلة أبو علم الدين أن "صوت المسحراتي يعيدنا إلى سنوات خلت يوم كنا في الوطن نقضي الشهر الكريم بالعزة والفرح والبحبوحة والآلفة". وأشادت الفتاة العشرينية سلمى حلواني بـ "المسحراتي وتفانيه دون مقابل في ظل الضائقة المالية حيث نعجز عن منح المسحراتي ما يسد به حاجته وحاجة عائلته فالعين بصيرة واليد قصيرة". أما حسيب أبو علوان النازح من ريف حلب إلى مخيم سردة بجنوب لبنان فقال لـ ((شينخوا)) إن "تقليد المسحراتي راسخ في ذاكرة النازحين الذين شردتهم سنوات الحرب السورية، وصوته يعيدنا إلى ذكريات جميلة، وتوقظ في قلوبنا الحنين". يشار إلى أن عدد النازحين السوريين في لبنان حوالي مليون و300الف نازح يعيش معظمهم في أكثر 1400 مخيم عشوائي في مختلف المناطق اللبنانية.
مشاركة :