طالب نازحون سوريون في جنوب لبنان برفع العقوبات الأمريكية الظالمة والجائرة ضد بلادهم، مشددين في الوقت نفسه على أن الحصار الأمريكي الغاشم المطوق لسوريا من كل اتجاه من شأنه الحد من عمليات البحث الإنقاذ ما سيؤدي حتما لارتفاع عدد الضحايا جراء الزلزال المدمر الذى ضرب سوريا الاثنين الماضى. وحول موقد عتيق يعمل على الحطب عند المدخل الغربي لمخيم مرج الخوخ بجنوب لبنان الذي يضم حوالي 2800 نازح سوري تسمرت مجموعة من النازحين السوريين ومن مختلف الأعمار أمام شاشة تلفاز صغير يعمل على البطارية. بدا الجميع في حالة من القلق الشديد خلال متابعتهم الدقيقة لعمليات الانقاذ التي تعمل وسط برد قارس في البحث عن ناجين بين انقاض مئات المباني التي انهارت جراء سلسلة الزلازل العنيفة التي هزت العديد من المناطق السورية ومنها ادلب وحماة وطرطوس واللاذقية. النازحة الثلاثينية سارة أبو مشلب من ريف ادلب التي اصيبت بحالة من الذهول لما شاهدته على شاشة التلفاز من ابنية انهارت بمن فيها لتتحول إلى ركام، أعربت لوكالة أنباء ((شينخوا)) عن خوفها الشديد على والديها العجوزين وشقيقها وعائلته المؤلفة من 7 أفراد والقاطنين في أحد أحياء ادلب الذي تضرر بشكل كبير. وقالت "منذ وقوع الزلزال انقطع الاتصال معهم فهاتفهم الجوال خارج الخدمة ولم اوفق باية وسيلة أخرى للاطمئنان عليهم وانتظر لحظة بلحظة اية معلومة ترشدني لما حل بهم وأملي كبير أن يكونوا بخير". وأعلن وزير الصحة السوري حسن الغباش في وقت سابق اليوم ارتفاع عدد ضحايا الزلزال إلى 1262 قتيلا و2285 إصابة وذلك في حصيلة غير نهائية في المحافظات التي ضربها الزلزال، مشيرا إلى أن العمل مستمر بأقصى الطاقات المتاحة. وكان زلزال بقوة 7.7 درجة على مقياس ريختر ضرب فجر (الاثنين) الماضي منطقة لواء إسكندرون تلاه زلزال آخر بقوة 6.4 درجة في منطقة طوروس على الحدود السورية التركية، وعدد من الهزات الارتدادية الأضعف شدة، وتأثرت بها محافظات سورية عدة، وتضرر عدد من الأبنية إثر ذلك، وفقا لوكالة الأنباء السورية الرسمية ((سانا)). من جهته، النازح من حماة جواد أبو عسلي قال لـ((شينخوا)) "كل ما يصلنا من أخبار عن هذه المأساة ناقصة، خاصة وان معظم الهواتف العائدة لأهلنا معطلة نتيجة انقطاع التيار الكهربائي في المناطق المنكوبة". وأضاف "اننا نتابع على مدار الساعة الوضع في سوريا عبر اجهزة التلفاز والمذياع ووسائل التواصل الإجتماعي وكل ما يرد الينا مقلق حقا". وتابع "نأسف كنازحين للحصار الذي تفرضه دولة العدوان ((أمريكا)) على بلدنا والذي يحد بشكل كبير من ايصال المساعدات للمناطق المنكوبة والتي هي بامس الحاجة لكل شيء بسبب ضخامة الحدث". اما شاويش المخيم جلال ابو السعود والذي لم يتمكن بدوره من الاطمئنان على والدته الثمانينية واقاربه القاطنين في منطقة اللاذقية فدعا كافة الجهات الدولية لتقديم كل ما امكن من دعم لطواقم الانقاذ والمصابين وهم بالآلاف. وأعرب عن أسفه لـ"الحصار الأمريكي الغاشم المطوق سوريا من كل اتجاه والذي من شأنه الحد من أعمال الانقاذ مما سيؤدي حتما لارتفاع عدد الضحايا". وأضاف "نحمل أمريكا دولة العدوان دماء الكثير من أهلنا الذين ما زالوا تحت الابنية المنهارة وبين الركام بانتظار انتشالهم مع تفاقم حدة البرد والأمطار الغزيرة التي تزيد من مأساتهم في حين وجد الناجون أنفسهم بلا مأوى وتحت الجليد". وقالت لـ((شينخوا)) الفتاة العشرينية سائدة الجبلي من ريف حماة والتي تنتظر بقلق أي خبر عن جديها "يبدو ان قلقلنا سيطول خاصة وان الأخبار الواردة من هناك مرعبة ومفجعة، إذ المنازل والبنى التحتية كانت متهالكة اصلا بسبب سنوات من الحرب والقصف ونحن بحاجة ماسة إلى المساعدة لإنقاذ أرواح المصابين جراء هذا الزلزال القوي". وأضافت "صدم الجميع جراء الاثر الواسع النطاق للتدابير المفروضة على سوريا من جانب الولايات المتحدة الذي اساء إلى الوضع الانساني في ظل تمادي العزلة الاقتصادية والمالية لبلدنا الذي يكافح من أجل العودة إلى حياة لائقة وكريمة بعد الحرب القذرة التي امتدت لعقد من الزمن". وأعرب المحاضر الجامعي الدكتور محمد حمدان لـ((شينخوا)) عن "الألم والتضامن مع الشعبين السوري والتركي، بعد الزلازل المدمرة التي ضربت البلدين"، مطالباً "دول العالم بمد يد العون للمنكوبين والتعويض على المتضررين وتقديم كل أنواع المساعدة لازالة الأضرار الكارثية واعادة بناء ما تهدم". ولفت إلى أن "استمرار الحصار الأمريكي على سوريا، عبر ما يسمى بـ((قانون قيصر)) المشؤوم، وفي ظل نكبة الزلزال الذي ضرب سوريا، لم يعد فقط جريمة حرب، بل هو زلزال بأقسى درجات الوحشية ليس فقط ضد الشعب السوري بل أيضا ضد الضمير الإنساني والبشرية جمعاء". وقال "هذه العقلية الانتقامية التي يتصرف من خلالها الأمريكي ومعه مؤسسات ما يسمى بالمجتمع الدولي، تثبت مبدأ الديمقراطية الاستعمارية التي تتحكم بالعقل الأمريكي والغربي". ودعا حمدان المنظمات الإنسانية العربية والدولية إلى "كسر هذا الحصار الوحشي" وطالب مجلس الأمن والأمم المتحدة بـ"موقف حازم يسقط الإجراء الظالم ضد سوريا ويفتح الطريق لتقديم كل أنواع المساعدات والاغاثة للشعب السوري المنكوب". وأكد أن "الدول العربية وجامعة الدول العربية أمام مسؤولية تاريخية في هذه اللحظات الحزينة والاليمة، فالواجب القومي والإنساني يستدعي تجاهل الحصار الأمريكي وتشكيل جسور جوية اغاثية للشعب السوري، وتقديم كل أنواع المساعدات المادية والغذائية والطبية وما يحتاجه المنكوبون السوريون الأشقاء". ودعا كل قادر للعمل على اغاثة المنكوبين بكل الامكانيات المتاحة، لافتا إلى أن "العقوبات الأمريكية تزيد وتطيل من امد الدمار والمعاناة اللذين يواجههما الشعب السوري منذ العام 2011". من جهته، قال الباحث السياسي الدكتور منير مهنا لـ((شينخوا)) "أمام الإستثناء تسقط القواعد الصارمة للفعل، والسياسة كفعل تصبح مع التسلط وسياسة المصالح بلا روح وتفقد بُعدها الإنساني". وأضاف "أمريكا اليوم تحكم بسياستها العالمية مصالح ارباب شركاتها العسكرية ومطامحهم لإستدامة الحروب والتضييق على الشعوب الرافضة للإستعباد الأمريكي في عصر العولمة والسيطرة الإمبريالية الأمريكية". ورأى أنه "أمام الكارثة الطبيعية التي حلّت على سوريا أثر الزلزال المدمر الذي ضرب مدنها وقراها، ليس من مبرر لهذا الحصار والضغط الذي من شأنه رفع حالات الموت تحت الانقاض". وقال "أمريكا ملزمة اليوم بتقديم كل دعم لسوريا في محنتها وعليها أن تعيد النظر في أساليب عملها السياسي والتي تستهدف تحويل الشعوب المدافعة عن حقوقها إلى ضحايا". واعتبر أن "أمريكا أمام امتحان أخلاقي حاسم، وانه أمام ما يجري على ارض سوريا الجريحة والمنكوبة لا شريعة إنسانية تمنع من مساعدتها وتخرق كل قوانين الظلم والحصار المفروضة عليها بإسم السياسة الأمريكية ومصالحها". وأوضح أنه "أمام الكارثة الطبيعية التي حلّت على سوريا فان إستمرار الحصار الأمريكي والضغط على الدولة السورية كفعل يتجاوز السياسة ليدخل في باب السوء". وأضاف "السياسة بلا اخلاق ترشدها يسقط عنها المعنى فهل تستيقظ اخلاق أمريكا وتفك حصارها عن سوريا المنكوبة". وكانت الحكومة اللبنانية قد أعلنت في وقت سابق عن تضامنها ودعمها لتركيا وسوريا في مواجهة كارثة الزلزال الذي ضربهما والحق دمارا هائلا في بعض مدن البلدين وأسفر عن مقتل وإصابة آلاف الأشخاص، في حين ما تزال أعمال الإنقاذ ورفع الأنقاض مستمرة بحثا عن ناجين محتملين.
مشاركة :