أهل الله وخاصته

  • 5/16/2021
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

- القرآنُ الكريمُ كلامُ اللهِ سبحانه وتعالى ، نَزَلَ على الرسولِ محمد صلى الله عليه وسلم ، بواسطةِ أمينِ الوحي جبريل عليه السلام ، قالَ اللهُ تعالى : ( وَإِنَّهُ لَتَنزيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ (١٩٢) نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأمِينُ (١٩٣) عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ (١٩٤) سورة الشعراء القرآنُ الكريمُ هو المنهج الوحيد الذي يُعلِّمُنا الحياةَ ، وهو المفتاحُ الرئيسي لجميعِ العلومِ والمعارف المفيدة ، ولا تزالُ معجزاته قائمة إلى يومنا هذا ، وإلى قيامِ الساعة . وقد احتوى القرآنُ الكريمُ على جميعٍ الأعمالِ والأقوالِ التي تُعَلِّمُنا وتَدُلُّنا على الطريقِ السويِّ ، كالعبادات والعقائد وأصول الأحكام والمعاملات والعلاقات والسياسة والاقتصاد وغير ذلك . قَالَ اللهُ تعالى : ( وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ (٨٩) سورة النحل والقرآنُ الكريمُ هو مصدرُ القوةِ والعزة للمسلمين في كلِّ زمانٍ ومكان ، فمتى ما تركنا بحبلِ اللهِ كلّ ما يغضبه ، واحتمينا ولجأنا إليه ، كُنّا يدًا وصفًّا واحدًا ، ومتى ما تمسكنا به وكُنَّا يدًا وصفًّا واحدًا ؛ انتصرنا على أعدائِنا ، وَسَلِمْنا من الهزيمةِ والوقوعِ في الهاوية . قَالَ اللهُ تَعَالَى : ( وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَتَ اللهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنتُمْ عَلَىٰ شَفَا حُفْرَةٍ مِّنَ النَّارِ فَأَنقَذَكُم مِّنْهَا كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ اللهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُون (١٠٣) . سورة آل عمران وحبلُ اللهِ هو القرآن الكريم ، والدليلُ قولُه صَلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم : ( أَلَا وإنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ ثَقَلَيْنِ : أَحَدُهُما كِتَابُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ، هو حَبْلُ اللهِ ، مَنِ اتَّبَعَهُ كانَ علَى الهُدَى ، وَمَن تَرَكَهُ كانَ علَى ضَلَالَةٍ ... ) . رواه مسلم في صحيحه عن يزيد بن حيان رضي الله عنه . للقرآنِ الكريمِ فضلٌ عظيمْ علينا ، فهو مِنْحَةٌ ربَّانيِّةٌ لأمةِ محمدٍ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم ، وقد ضَمِنَ اللهُ حِفْظَهُ وبقاءَهُ إلى قيامِ السَّاعةِ ، وهو الذي لم يستطعْ البشرٌ فيهِ التحريفَ ، كما في الكُتِبِ السماويةِ السابقةِ ، فهو موجودٌ كما أُنْزِل لم ينقصْ أو يزيد حرفًا ، قَالَ اللهُ تعالى : ( إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ (٩) سورة الحجرات ومتى ما قامَ المؤمنُ بتلاوتِه وحفظِه ، وعَمِلَ بما فيه مِن أحكامٍ وأوامرٍ ، واجتنبَ كُلَّ ما نهى عنه ، فقد ظَفِرَ بمنزلةٍ عاليةٍ عندَ اللهِ سبحانه وتعالى ، وأصبح من أهلِه وخاصَّتِه ، فعنْ أَنسِ بنِ مالكٍ رضيَ اللهُ عنهُ قالَ : قالَ رسولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عليْهِ وَسَلَّمَ : ( إنَّ للهِ أَهْلِينَ مِنَ النَّاسِ ، قالُوا : يَا رَسُولَ اللهِ ، مَنْ هُمْ ؟ قالَ : هُمْ أَهلُ القرآنِ ، أهلُ اللهِ وَخَاصَّتُهُ ) . حديث صحيح ، رواه ابن ماجه . والقرآنُ الكريمُ يعلو بعالِمِهِ يومَ القيامةِ ، ويصلُ بهِ إلى أعلى الدرجاتِ مع الملائكةِ والأنبياءِ والرسلِ ، والذي يتعهّدَهُ فيشقُّ عليه في القراءةِ أو الحفظِ فإن له أجران : أجرٌ على القراءةِ ، وأجرٌ على المشقةِ . فعَنْ عائشةَ رضِي اللهُ عنها قالت : قالَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلَّم : ( الْماهِرُ بالقُرْآنِ مع السَّفَرَةِ الكِرامِ البَرَرَةِ ، والذي يَقْرَأُ القُرْآنَ ويُتَعْتَعُ فِيهِ ، وهو عليه شاقٌّ ، له أجْرانِ ) . [وفي رواية] : والذي يَقْرَأُ وهو يَشْتَدُّ عليه له أجْرانِ ) . رواه البخاري ومسلم وأن من فضلِ القرآنِ الكريمِ أنه يشفعُ لقارئِيهِ يومَ القيامةِ ، حيث يخرجهم من النار ، فعنْ أبي أمامةَ الباهليّ رضي اللهُ عنه قَالً : سِمعتُ رسولَ اللهِ صلى اللهُ عليهِ وسلم يقولُ : ( اقْرَؤُوا القُرْآنَ فإنَّه يَأْتي يَومَ القِيامَةِ شَفِيعًا لأَصْحابِهِ ، اقْرَؤُوا الزَّهْراوَيْنِ البَقَرَةَ ، وسُورَةَ آلِ عِمْرانَ ، فإنَّهُما تَأْتِيانِ يَومَ القِيامَةِ كَأنَّهُما غَمامَتانِ ، أوْ كَأنَّهُما غَيايَتانِ ، أوْ كَأنَّهُما فِرْقانِ مِن طَيْرٍ صَوافَّ ، تُحاجَّانِ عن أصْحابِهِما ، اقْرَؤُوا سُورَةَ البَقَرَةِ، فإنَّ أخْذَها بَرَكَةٌ ، وتَرْكَها حَسْرَةٌ ، ولا تَسْتَطِيعُها البَطَلَةُ ) . قالَ مُعاوِيَةُ : بَلَغَنِي أنَّ البَطَلَةَ هم السَّحَرَةُ . رواه مسلم في صحيحه وعلاوةٌ على علوِّ منزلةِ الماهرِ بهِ في الآخرةِ ، فإنّ له شأنًا ومنزلةً ومكانةً في الدنيا ، قالَ عُمَرُ بن الخطابِ رضي اللهُ عنه : أَما إنَّ نَبِيَّكُمْ صَلَّى اللهُ عليهِ وَسَلَّمَ قدْ قالَ : ( إنَّ اللَّهَ يَرْفَعُ بهذا الكِتَابِ أَقْوَامًا ، وَيَضَعُ به آخَرِينَ ) . رواه مسلم في صحيحه إنَّ حافظَ القرآنِ الكريمِ المتقنُ لقرائِتهِ وأحكامهِ ، لهُ الأولوية في الإمامةِ لقولِ النبيِّ صلَّى اللهُ عليهِ وسلَّم : ( يؤمُّ القومَ أقرؤُهم لِكتابِ اللهِ ، فإن كانوا في القراءةِ سواءً ، فأقدمُهم في الهِجرةِ ، فإن كانوا في الهِجرةِ سواءً ، فأعلمُهم بالسُّنَّةِ ، فإن كانوا في السُّنَّةِ سواءً ، فأقدمُهم سِنًّا ) . رواه النسائي في صحيحه عن أبي مسعود عقبة بن عمرو رضي الله عنه . والقرآنُ الكريمُ يُؤثِّر في صاحبهِ ، فترى في وجهِه النورُ والسعادةُ ، وتظهرَ عليهِ سماتُ الوقارِ وحُسْنِ الخلقِ ، ويميلُ إليه الناسُ بقلوبِهم مع الإجلالِ والتقديرِ والاحترامِ ، وهذا من فضلِ اللهِ عليهِ ، وهو محسودٌ في الدنيا وفي الآخرةِ . عن أبي هريرةَ رضيَ اللهُ عنه قالَ : قَالَ رسولُ اللهِ صلًّى اللهُ عليهِ وَسَلَّم : ( لا حَسَدَ إلَّا في اثْنَتَيْنِ : رَجُلٌ عَلَّمَهُ اللهُ القُرْآنَ ، فَهو يَتْلُوهُ آناءَ اللَّيْلِ وآناءَ النَّهارِ ، فَسَمِعَهُ جارٌ له ، فقالَ : لَيْتَنِي أُوتِيتُ مِثْلَ ما أُوتِيَ فُلانٌ ، فَعَمِلْتُ مِثْلَ ما يَعْمَلُ ، ورَجُلٌ آتاهُ اللهُ مالًا فَهو يُهْلِكُهُ في الحَقِّ ، فقالَ رَجُلٌ : لَيْتَنِي أُوتِيتُ مِثْلَ ما أُوتِيَ فُلانٌ ، فَعَمِلْتُ مِثْلَ ما يَعْمَلُ ) . رواه البخاري في صحيحه وهُناكَ الأجرُ العظيم الجزيل الكثير لمن يقرؤه ، فعن عَبْدِ اللهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضيَ اللهُ عنه قالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( مَنْ قَرَأَ حَرْفًا مِنْ كِتَابِ اللهِ فَلَهُ بِهِ حَسَنَةٌ ، وَالحَسَنَةُ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا ، لَا أَقُولُ : ﴿ألم﴾ حَرْفٌ ، وَلَكِنْ أَلِفٌ حَرْفٌ وَلَامٌ حَرْفٌ وَمِيمٌ حَرْفٌ ) . حديث صحيح رواه الترمذي في سننه والقرآنُ الكريمُ يزرعُ ويبعثُ في نفوسِ قارئِيهِ اللذةَ والحُبّ والطمأنينة ، قالَ اللهُ تعالى : ( الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللهِ أَلَا بِذِكْرِ اللهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ (٢٨) سورة الرعد . ولا يجوزُ هجرُ القرآنِ الكريمِ لأي عذرٍ غيرُ شرعيِّ ، فقد سَهُلَ في عصرِنا هذا تعهُّده ، فتوجدُ البرامجُ المتوفرة ، التي منها المقروءُ ، ومنها المسموعُ ، ومنها ما يجمعُ بينهما ، فتستطيع أن تقرأ القرآنَ أو تسمعه من جهازِك الجوال ، الذي لا يفارقك ليلًا ونهارًا ، ومن تعمَّد هجرَ القرآنِ ، أو تهاونَ أو فرَّطَ فيهِ ، فإنه بذلك يعرضُ نفسُه لما لا يحمد عقباه ، قالَ اللهُ تعالى : ( وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى (١٢٤) قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا (١٢٥) قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آياتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى (١٢٦) سورة طه ولا أُريدُ أن أُطيلَ عليكم ، فهناك العديدٌ من الفضائلِ ، وقد اخترتُ منها ما يعمُّ وما يُفِيد ، ولا يُفهمَ من مقالي هذا ، أنَّ كلَّ من قرأهُ فله الفضلُ والمنزلة الخاصة عندَ اللهِ ، بل يُشترطُ التدبرُ والفهمُ لمعانيهِ والعملُ بهِ ، وأن يكون ذلك خالصًا لوجهِه الكريمِ . أسأل الله أن يجعلنا من أهل القرآن وخاصته ، وأن يرزقنا حبه وحب من يحبه ، وأن يجعلنا من الذين تطمئن قلوبهم عند قرائته ..

مشاركة :