استراتيـجـية شراء الوقـت

  • 11/25/2013
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

بين جنيف الأول والثاني ــ إن قـدر له أن يعقد ــ فسحة من زمان ومكان ما عادت معه سوريا هي سوريا. ففي المكان سوريـا التاريخ أقدم أرض محروقة، وفي الزمان، أحداث صفرية لم تعد معها إحصاءات أعداد الضحايا ذات أهمية تذكر. فالبيانات تذكر مئة وعشرين ومنها مئة وثلاثين وأخرى مئة وخمسين، ودائما بالآلاف، فحينما تـتحول قصص الموت والدمار أرقاما تنشرها شركات الإحصاء، لا يمكن لأحد أن ينتصر، وحين تملؤ روائح الموت الأنوف وتستحيل الرؤية في غبار الركام والهدم ليس لأحد أن يدعي فوزا. لعبة الساعة أو استراتيجية شراء الوقت بين الولايات المتحدة وروسيا ليس لها أن تستمر إلى الأبد، فعدادات الموت تتخطى حدود سرعة القتل في أقصى ما هو مسموح به (إن كان القتل أمرا مسلما به لهذه الدرجة!). فبين «فتنمة إيـران لسوريا» ــ المصطلح الغربي لتورط إيـران في سوريا ــ وبين «صوملة» سوريا ــ أي تقسيمها شمالا كرديا وساحلا وعلويا ووسطا سنيا وجبلا درزيا ــ اتسعت ظلال القطع والوصل لتصبح خطوطا، والخطوط أضحت شروخا، والشروخ إنما تنبىء بزلازل قادمة .. في أحسن الأحوال.. وأمريكا الغارقة في جولات وزيـر خارجيتها المكوكية تحركاته الديبلوماسية تبدو وكأنها تلعب دورا مسرحيا لا حقيقيا، إذ إن انسحابها من أزمات الشرق الأوسط ــ الذي تتوالد أزماته ــ بات سياسة معلنة وانعزالا موصوفا في تاريخها، ويستطيع المرء هنا الحديث مستفيضا عن خيبة الولايات المتحدة من «الربيع العربي» وإرهاصاته وتداعياته على اللوحة الشرق أوسطية المعقدة والمتحركة والمتقلبة فصولا.. وحين يبشرنا كبار بسايكس بيكو ثان (بعد أقل من مئة عام على الأول) يقسـم فيها الهلال الخصيب ــ وهو المنطقة الممتدة ما بين نهري دجلة والفرات حتى الساحل السوري ــ تقسيما طائفيا عرقيا قوميا أوما شئت.. يضحي سايكس بيكو الأول ــ الذي مانزال نعيشه اليوم (العراق ــ سوريا ــ الأردن ــ فلسطين ولبنان) بعد أن أضيفت إليه إسرائيل الأسطورة والاستعمار، أضحى أملا يصعب الإبقاء عليه! وإذا كانت السياسة فن الممكن، فهل جنيف الثاني المقترح بالصيغ المعدلة والمكررة التي نسمعها يوميا هو كل ما يمكن عمله لسوريا من المجتمع الدولي والدول الفاعلة فيه؟ هل هذا هو كل شيء تستطيعه أمريكا وروسيا وغيرهما. لعل مثال استخدام السلاح الكيميائي في سوريا (21 ــ 8 ــ 2013) على نطاق ملحوظ ــ أيا يكن الطرف المستخدم ــ ينبئ بمنظومة العمل الأممي المستجد. فما تكفل به مجلس الأمن الذراع التنفيذية للهيئة العامة للأمم المتحدة لا يعدو كونه حسابا لسلاح الجريمة (المزمع إتلافه)، فيما المجرم مايزال حرا طليقا والجريمة في سوريا تعلو ولا يعلو فوقها قانون أو شرعة. وبعد، هل يتوقع السوريون الكثير من جنيف الثاني ( إن عقـد )؟ .. وهل يعول اللاعبون السوريون ــ نظاما ومعارضة داخلا وخارجا ــ على جدية دولية لإنهاء الصراع قبل انتهاء سوريا قولا و فعلا؟.. جنيف الثاني ليس حلا كما لم يكن جنيف الأول، والسلاح والتسليح ليس حلا وإن حسم معركة لهذا الطرف أو ذاك في مكان وزمان ما. الحل سيكتشفه السوريون أنفسهم عاجلا أم آجلا وهو بالمصالحة والتضحيات والتنازلات المتبادلة إذ لا سبيل لإلغاء أي طرف لأي آخر في أي معادلة مقبلة .... الأكيد أن جنيف الثاني لن يبحث ما تبقى من قضية كانت يوما محل نزاع بيننا وبين إسرائيل... اسمها فلسطين.

مشاركة :