وداعاً العم عبدالله محمد الرشيد رحمك الله

  • 5/23/2021
  • 00:00
  • 18
  • 0
  • 0
news-picture

الخطب جلل والوداع حزين والفراق صعب لكن القدر نافذ ولا نقول إلا ما قاله رسولنا -صلى الله عليه وسلم- إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن وإنا على فرقك عمنا عبدالله لمحزونون.. أنت مقام والدنا ووجيهنا وكبيرنا، رحيلك أجج الأسى والحزن في كل بيت.. سنفقد تلك الطلة الجميلة التي تشرفنا بها.. والأنس بحديثك وعبق الماضي الذي تحمله.. سنفقد تلك الحكايا ورحلة الحياة برحيلك انطفأ سراج للأسرة كان ينير لها طريق الحياة ويمنحها ميزان الحكمة، وهذا ليس بغريب فأنت سليل شيخ جليل وعالم فذ.. وقفت أتأمل ما أكتب في حقك لكن أبت أن تسعفني الكلمات في هذا الموقف العصيب لأن وداعك خسارة كبيرة وفقدك لا يقاوم، وكثير من الأهالي كان يأنس بوجودك ويسعى لمقابلتك لما تحمله من روح مرحة وسجايا حميدة.. ستبكيك مجالس كنت ترتادها وتنثر ورد المحبة وعطر الحياة بها. سيرة الراحلين هي تدوين منصف لرحلتهم بالحياة والعم عبدالله له حق علينا أن نعرج على سيرته والبداية باسمه، فهو عبدالله بن محمد بن عبدالعزيز بن رشيد بن زامل بن علي بن محمد المحفوظي العجمي. وُلد بمدينة الرس عام 1353هـ ولم تكن المدارس النظامية قد فتحت فحال أقرانه التحق بالدراسة لدى الكتاتيب وعمره قد بلغ السادسة في عام 1353هـ تقريباً، فقد تتلمذ على يدي الشيخ محمد بن إبراهيم الضويان حيث قرأ القرآن الكريم إلى سورة المجادلة وقرأ على الشيخين محمد بن إبراهيم الخربوش ومحمد بن ناصر الرشيد -رحمهم الله جميعاً... وفي عام 1363هـ افتتحت المدرسة السعودية كأول مدرسة حكومية فكان العم عبدالله من أوائل الطلاب الملتحقين بها وأنهى الدراسة الابتدائية عام 1370هـ.. انتقل أبا محمد إلى الرياض في عام 1371هـ وهناك التحق بالمعهد العلمي حيث تمّ افتتاحه بحي (دخنه) وأنهى الدراسة بالمعهد عام 1374هـ ثم واصل دراسته بكلية الشريعة عام 1375هـ لينال الشهادة الجامعية عام 1378هـ وينهي رحلته في طلب العلم. بدأ العم أبا محمد في رحلة أخرى وهي خدمة وطنه ورد الجميل له وقد عرض عليه قضاء الدرعية توسماً بالخير والصلاح فيه ولكنه اعتذر فالتحق بوزارة المعارف ووُجه للتدريس بالإحساء وشقراء والمجمعة، لكن كان أمله التدريس بالرس فعُيِّن مدرساً بالمتوسطة الأولى عام 1379هـ واستمر حتى 1388 هـ حيث رُشِّح من قبل مدير التعليم بالقصيم (الأستاذ سليمان الشلاش) -رحمه الله- مفتشاً إدارياً بمكتب تعليم الرس، وفي عام 1388هـ كُلِّف مديراً للمكتب إضافة لعمله مفتشاً.. وفي عام 1393هـ صدر قرار وكيل وزارة المعارف بترقيته للمرتبة التاسعة مديراً للتعليم بمدينة القنفذة، وبعد اعتذاره تم توجيهه إلى إدارة التعليم بمنطقة القصيم في بريدة للعمل مساعداً لمدير التعليم للشؤون الفنية حتى عام 1405هـ حيث رُشِّح من الرئيس العام للبنات كأول مدير لتعليم البنات بالرس حتى أُحيل للتقاعد في شهر صفر للعام 1419هـ. العم عبدالله تأثر بوالده الشيخ محمد العبدالعزيز قاضي (الرس والخرمة ورنية في الفترة من 1348هـ إلى 1378هـ)، ولد بالشنانة 1304هـ وتوفي بالطائف 1395هـ، وأورد المؤرخ عبدالله العقيل بعضاً من قدرات الشيخ وهمته قائلاً: (إنه على كثرة قراءته كان عارفاً بالإنساب والمعلومات وحوادث نجد ووفيات الأعيان وكان واسع الاطلاع في كل العلوم والفنون.. وكان يوثق العقود والصكوك بخطه ويمليها على الكتبة ويعلق عليها بتزكية الكاتب.. كما كان لديه مكتبة كبيرة تضم أمهات المراجع وكتب الشريعة والفقه واللغة وغيرها).. .كل ما سبق جعل العم عبدالله يعيش في بيئة علمية، حيث نشأ في بيت علم وأدب، لذا كان كثير الاطلاع والقراءة والاهتمام بالتاريخ والوثائق ولديه مكتبة تحوي العديد من الكتب وفيها قسم خاص بالمخطوطات النادرة والتي أهداها إلى دارة الملك عبدالعزيز، وكان له شرف التكريم من الملك سلمان لتعاونه مع الدارة.. وقد كُلِّف من قبل الرئاسة العامة لرعاية الشباب لإصدار أول كتاب عن (مدينة الرس) ضمن سلسلة (هذه بلادنا) عام 1405 هـ. كأنك من كل النفوس مركب فأنت إلى كل الأنام حبيب كلَّما قرأت هذا البيت الخالد في السمو والأخلاق تذكرت العم عبد الله (الإنسان) وكأنه المقصود، فقد شرح الله صدره للجميع فهو يودع يومه (بفلترة) قلبه ونقائه فلا يحمل غلاً ولا حسداً، كان كريماً لطيف المعشر أنيس المجلس وهبه الله حفظ التاريخ والذكريات الشفوية والسرد لها بطريقة مشوقة.. خدوماً للآخرين قدر استطاعته.. قنوعاً زاهداً بما قسم الله له، كثير السؤال عن الأصحاب والأحباب والأقارب، واصلاً لرحمه وعشيرته قريباً من ربه صابراً على أقداره، متواضعاً يهدي السلام للصغار والكبار.. يوم الثلاثاء الموافق 6-10-1442هـ وفي الوقت الذي كنا قبله نستقبل رسائل تطمين من ابنه سليمان والتي كانت تشرح صدورنا جاءت رسالة جوال بطعم الحزن والأسى قائلة أبا محمد في ذمة الله، لنقول وداعاً لتلك النفس الزكية والجسد الطاهر الذي صُلِّي عليه ودُفن في مقبرة الشرائع بمكة المكرمة. وداعاً أبا محمد، جمعنا الله وأياك في عليين. اللهم ثبته على القول الثابت واغسله بالماء والثلج والبرد ونقه من الخطايا وجعل ما أصابه كفارة وطهورًا.. فَأحسَنُ الحالات حالُ امرئ تَطيبُ بعدَ الموت أخبارُه يَفنى ويبقى ذِكرُه بعده إذا خَلَت مِن شَخصه دارُه أعزي نفسي بفقيدنا الغالي وأولاده وبناته وإخوته وأخواته وزوجاته وأحفاده وأسرة الرشيد بأرجاء الوطن ولكل محبيه وأصدقائه وزملائه.. {إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}. ** **

مشاركة :