ما علاقة داعش بالثقافة والكتاب؟ - عبد الله بن عبد الرحمن الزيد

  • 10/2/2015
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

من غير الممكن، ومن المستحيل أن نستوعب وأن نتصور أنّ تنظيما دمويا ظلاميا عدائيا تدميريا خرافيا أنّ له صلة بالثقافة والكتاب في جوهرهما المعرفي الحقيقي؛ ذلك لأن المحور العظيم للمسألة الثقافية المعرفية هو الوعي، وروافده التي لا تتخلف هي: الفهم، وعبقرية التلقي، والقدرة الفائقة على الاستنباط والمقارنة، وتوظيف النسبية والمقاربة بين المضامين والأفكار والمقولات.. فما الذي يملكه كيانٌ مشتمل على جنون الموت والانتقام والإبادة ونسف الوجود والحياة من ذلك؟ يا جماعة الخير والوعي والثقافة: أسألكم بما تحملون من التفسير والتحليل والتعليل، بربكم أيُّ فكر وثقافة وأيّ رائحة لكتاب يمكن أن تكون لدى ذلك الشاب الممخور من الداخل.. الذي اقتاد ابن عمه ثم كتَّفهُ وقيّده ثم ألقى به على التلة الرملية وأطلق عليه النار بكل ما في تفاهة العالم وبلادته وانعدام مبالاته! العجيب الغريب أنه بعد هذه الحادثة المثيرة التي اعتقد كثير من الناس في البداية أنها مشهد تمثيلي، ظهرت وشاعت مقالات وتعليقات عديدة تحدد كتابا تراثيا بعينه على أنه وراء مثل هذه الأفكار، وأنه هو المحرك الأساس لمثل هذه الممارسات التي لا يقبل بها عقل ولا يقرّ بها جَنَان، مع أن التحليلات والتفسيرات والأسباب المستخلصة تنطبق عليه وعلى غيره من الكتب والمدونات الدينية! وأنا هنا لا أدافع عن ذلك الكتاب، ولا يعنيني بأي شكل ما ورد فيه من نصوص يعتقد كثير من القراء بأنها وراء التنظير الظلامي الذي حوّل الشبان إلى دمى في أيدى القتلة الخونة الحاقدين الموتورين، ولكنني أستبعد جداً أن يكون لهذه التنظيمات علاقة فهم ووعي مع الكتاب حتى وإن كان كتابا ساذجا مسطحا يعتمد الأسلوب الخطابي وسيلة للفعل والتأثير.. إذاً.. حديثي ليس عن الكتاب، وليس من أجل تبرئته أو تبرئة غيره من الكتب، غير أني منحازٌ بشكل تلقائي إلى الثقافة والقراءة والاطلاع، بمعنى أنه شيء مؤلم ومحزن أن نبرّيءَ مثل هذه التنظيمات المتخلفة وهذه التجمعات الحاقدة الجوفاء من تبعات أعمالهم وتصرفاتهم ونلقي بالذنب والجرم واللائمة على الكتاب الذي من حقه علينا أن يبقى ويستمر متاحا للاطلاع والعلم والمعرفة والمقارنة، وكان السؤال المنطقي الذي انتصب بالسهولة كلها هو: لماذا الآن وفي هذا الوقت تحديدا تبين خطر مثل هذا الكتاب؟ ولماذا لم يكتشف من قبل مع أن عمر الترديات وتحولات الاعتقاد التي عصفت بالمجتمعات العربية لها ما يقارب نصف قرن؟ الإشكالية الكبرى لمثل هذه الأوهام تتمتل في أنها تَنْحَرِف بالتفكير والتشخيص عن كثير من الأسباب والدوافع الحقيقية، وتسطّح الرؤية وتصرفها عن آفاقها البانورامية إلى أحادية نحن في غنى عنها.. ولعلِّي هنا أستحضر - مع الفارق طبعا - حادثة سخيفة حدثت في أحد الأقطار العربية قبل سنوات وهي جناية إحراق نسخ كثيرة من السفر التراثي العظيم (ألف ليلة وليلة)، باعتقاد تافه وحجة واهية مفادها: أن الكتاب هو سبب التردي الأخلاقي والسلوكي لدى الناس، وكأن التردي الأخلاقي عاف كل الأسباب والدوافع وسكن هذا الكتاب، أو كأنه تخطى كل الأزمنة والعصور ولم يجد فرصته للتأثير إلا في هذا العصر! والقضية من بعد ذلك كله لا تتعلق بسفر أو بكتاب، وإنما هناك جملة من الأسباب والظروف من بينها - لا شك - البيئة والأشخاص وشهوة التعدي على الحدود والمحرمات. لذلك وجب علينا أن نفكر في إشكالياتنا الحقيقية، وفي مسؤولياتنا، وفي الاستراتيجيات التي ينبغي أن نوظفها بدلاً من أن نلقي بإخفاقنا وفشلنا وخيبتنا على الكتب والمؤلفات.

مشاركة :