د. عبدالله الغذامي يكتب: في معنى الطمأنينة

  • 7/24/2021
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

هناك تجربتان تاريخيتان في البحث عن الطمأنينة، الأولى تجربة سقراط، وقد وقفنا عليها في التوريقة الماضية، والثانية تجربة أبي حامد الغزالي، فالغزالي قد نال من الدنيا أعلى ما يناله عالم في عصره، فقد كان معلماً في أهم مؤسسات التعليم في بغداد العباسية، وعلى حظوة كبيرة لدى السلاطين، ولكنه ظل يشعر أنه فاقد للطمأنينة النفسية وليس راضياً عن نفسه وشاغله البحث عن صفة النفس الراضية المرضية، كما وردت في القرآن الكريم وانتابه القلق المعرفي والعقلي، عما إذا كانت نفسه راضيةً، ومن ثم مرضيةً، فقرر الشروع في البحث في نفسه عن نفسه، واستعان بعلوم عصره وهي الفلسفة وعلم الكلام وعلم المتعلمين، كما هي تسميتهم حينها وهم الباطنية، ثم أتبعهم بالمتصوفة، فنظر في من سماهم بالفلاسفة الإلهيبن وهم سقراط وأفلاطون وأرسطو، ووجد أنهم مع إيمانهم بالله إلا أنهم يقفون به دون بلوغ الحكمة التي يطلبها بسبب ثغرات كشفها في عرض موسع عن فكرهم وإن كان قد رأى أن أرسطو أقربهم للتصور الإسلامي لفكرة الإيمان، لكن ظلت ملاحظاته على أرسطو مثل ملاحظاته عن زميليه، وكذلك وجد علماء الكلام قد قصروا همهم كله على الرد على خصومهم من الفلاسفة عبر الاستعانة بمنهج الخصوم، وهذا في رأيه هدف ناقص، لأنه فقط يهدم ما عند الغير دون أن يبني منهجاً جديداً يضيف به للمعرفة الخالصة التي كان الغزالي بحاجةٍ لها، بينما رأى الباطنية يسلمون للغائب ما يعطل العقل والمنطق، بينما الغزالي يتمسك بالمنطق تحديداً وإن رأى عجز العقل لكنه لا يلغيه، وأخيراً وجد عند المتصوفة شيئاً يستجيب لتوقه وهو مفهوم «الذوق»، ولكنه اعترض على بقية أفكارهم في الحلول ووحدة الوجود، واكتفى بمفهوم الذوق الذي طوره مفاهيمياً ليسد به عجز العقل عن إدراك حقيقة النبوة، وهنا وصل لمقولته المفصلية وملخصها قوله: طلبنا العلم لغير الله، ولكنه أبى إلا أن يكون لله، وهنا تخلص من العلم الجسدي الدنيوي لينتمي أخيراً للعلم الروحي، حيث تتحرك روحه المعرفية وتنقذ نفسه القلقة وتعينها على بلوغ حال الطمأنينة، وهذا عنده هو المنقذ من الضلال من بعد أن كان في متاهة أشغلته عن أسئلته العميقة. ولكنه تدارك قلقه أو استجاب لقلقه مما دفعه لترك جاهه في بغداد وترك معه التعليم، وترك الأهل وبريق معاش الدنيا وطاف في رحلة حول عالم ذلك الزمان ما بين الشام والقدس ومكة المكرمة، ثم نيسابور ليكتب أخيراً كتابه «المنقذ من الضلال» ويعلن فيه أنه اكتشف نفسه واكتشف طمانينته وغادر قلقه النفسي والعقلي.

مشاركة :