تحقيق : الأزمة الاقتصادية تعيد مهنا قديمة إلى الحياة في شمال لبنان

  • 6/10/2021
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

طرابلس، شمال لبنان 9 يونيو 2021 (شينخوا) داخل مشغله الصغير لصناعة الفؤوس والمطارق والأدوات الزراعية في أحد أحياء طرابلس كبرى مدن شمال لبنان، وقف الثمانيني خالد العلي، ينتظر زبائنه. وكان العلي البالغ من العمر (78 عاما) قد اضطر إلى إغلاق مشغله بسبب سيطرة المعدات المستوردة على الأسواق، لكن بعد استفحال الأزمة الاقتصادية في لبنان وتراجع حركة الاستيراد بسبب شح الدولار الأمريكي، عاد إلى مشغله على غرار الكثير من المهنيين. ويعتبر مشغل خالد العلي، هو الوحيد المتبقي في طرابلس لصناعة الفؤوس والمطارق والمناجل. وقال العلي لوكالة أنباء ((شينخوا)) "إنها مهنة شاقة لم تعد تتناسب مع تقدم سنه، لكن الحاجة دفعتني للعودة إلى العمل". ويعمل الرجل في هذه المهنة منذ 60 عاما، حسب قال. وتابع بينما كان يعمل بمطرقته الحديدية على تسوية وإصلاح فأس أمام نيران قوية تساعده في تليين الحديد، "قمت بشراء مشغلي الصغير قبل 40 عاما من ورثة صاحبه بعدما توفي بسبب المرض". وأضاف "سابقا كانت هناك عشرات المشاغل الصغيرة التي تعمل في حدادة الفؤوس، واليوم بقيت لوحدي". ومضى قائلا "أقفلت المشغل قبل عدة سنوات بسبب قلة الزبائن، الذين توجه معظمهم لشراء الأدوات المستوردة، التي تستخدم في الزراعة والتحطيب أو قطع الأشجار". وأوضح أنه عاود فتح مشغله منذ نحو عام "بسبب تردي أوضاعي المعيشية وحاجتي لمساعدة عائلتي". ويحظى العلي في هذه الآونة بإقبال كبير من الزبائن، وتحديدا من أبناء الأرياف، الذين عادوا لإصلاح ما يملكون بدلا من رميه واستبداله بأدوات جديدة ومستوردة تباع اليوم بأسعار عالية بسبب ارتفاع سعر صرف الدولار على حساب العملة المحلية، حسب ما قال. وأشار إلى أن "العمل شاق، لكنه يؤمن دخلا ماليا جيدا"، معربا عن اعتقاده بأن "يعاود آخرون عملهم بالمهنة لأن الوضع في البلاد يزداد سوءا". وقال العلي إن مواطنين كثر باتوا اليوم غير قادرين على شراء البضائع المستوردة، وهم مضطرون إما لإعادة إصلاح أدواتهم أو شراء بدائل محلية الصنع بأسعار تناسب قدرتهم الشرائية. وبجانب مشغل خالد العلي، أعاد اللبناني محمد قشور البالغ من العمر (65 عاما) فتح متجره لإصلاح "مصابيح الكيروسين" بعد توقف عن العمل لسنوات بسبب تراجع استخدام المصابيح القديمة. وقال قشور ل(شينخوا) إن أزمة انقطاع التيار الكهربائي والنقص في مادة الفيول في معامل انتاج الطاقة دفع أصحاب المولدات الخاصة، التي تؤمن الكهرباء البديلة إلى اعتماد سياسة التقنين في توزيع الكهرباء لمشتركيهم، مما دفع الكثيرين إلى تجهيز مصابيح تعمل بواسطة خزانات الطاقة، إضافة إلى إعادة الاعتبار لمصابيح الكيروسين القديمة. وأضاف "في أحياء طرابلس الشعبية الفقيرة هناك عائلات كثيرة لم تعد قادرة بسبب الأزمة الاقتصادية على دفع بدل اشتراكات الكهرباء الخاصة، وبدأت باستخدام مصابيح الكيروسين، التي اندثرت منذ سنوات". وتابع "لقد قمت باستيراد كميات من قطع غيار مصابيح الكيروسين من سوريا لمواجهة الطلب في صيانة تلك المصابيح التي يصعب تأمين قطع غيار لها". وفي مشغل قشور، قال الخمسيني زياد عرابي إنه جاء للمشغل "لإصلاح مصباح كان تحول إلى قطعة أثرية". وتابع أن "القادم من الأيام صعب، وسيضطرني لتشغيل المصباح بعدما رفع أصحاب المولدات الخاصة تسعيرتهم". كذلك أعادت الأزمة الاقتصادية إلى الحياة مشاغل تصليح وتصنيع الأحذية في طرابلس. وقال سعيد حمداش (60 عاما) ل(شينخوا) إنه كان يعمل على تصليح الأحذية، لكنه توقف بعدما بات العمل بالكاد يؤمن قوت اليوم بسبب طوفان الأحذية المستوردة الجديدة أو المستعملة، ما جعل قلة من الناس تصلح أحذيتها. وأضاف "مع شح العملة الأجنبية وانهيار الليرة اللبنانية تراجعت حركة الموردين، وشهد السوق إقبالا على إصلاح الأحذية بفعل ارتفاع الأسعار بعدما بات سعر الحذاء يقارب نصف الحد الأدنى للأجور". وعلى خلفية ذلك، لم يكتف حمداش بإعادة فتح مشغله، بل وسع عمله بتشغيل ثلاثة عمال لتلبية الطلب الكثيف. كما قدم حمداش طلبا لإحدى المنظمات الدولية العاملة بدعم المشاريع الصغيرة لإقراضه مبلغا بدون فائدة لشراء آلة خياطة متطورة خاصة بالمنتجات الجلدية. لكنه قال إنه "لم تتم الموافقة على طلبي، فاضطررت إلى الاستدانة وشراء تلك الآلة التي تساعدني في تصنيع بعض أنواع الأحذية". وحول واقع أصحاب الصناعات والمهن الصغيرة، قال عضو مجلس بلدية طرابلس السابق عربي عكاوي ل(شينخوا) إن "الأزمة الاقتصادية في البلاد قد تساعد في تنشيط الصناعات الصغيرة التي عدنا نشهد إقبالا عليها". ورأى وجوب قيام الدولة والبلديات والجمعيات المحلية والدولية بدعم أصحاب المهن الصغيرة في تطوير أعمالهم لأن ذلك يخلق فرص عمل جديدة تحد من البطالة، فضلا عن مكافحة الفقر المتفشي. وتضرب لبنان، بحسب تقرير أصدره البنك الدولي، أزمة اقتصادية ومالية اعتبرها من بين "الأزمات العشر وربما من بين الأزمات الثلاث الأكثر حدة عالميا منذ أواسط القرن 19 في غياب أي أفق حل يخرجه من واقع مترد يفاقمه شلل سياسي". وكان رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية حسان دياب، قد حذر قبل أيام من أن "لبنان على مشارف الانهيار الشامل"، مناشدا الدول إنقاذ بلاده وسط فشل في تشكيل حكومة وتصاعد الاتهامات بين القوى السياسية بتعطيل تأليفها. وتترافق أزمة لبنان السياسية في لبنان مع سلسلة أزمات اجتماعية ومعيشية وصحية متشابكة أدت لارتفاع معدل الفقر إلى أكثر من 50 في المائة وتفاقم البطالة والتضخم وانهيار سعر صرف العملة المحلية مقابل الدولار الأمريكي.

مشاركة :