'دكتاتورية رقمية' تجرّ شبابا تونسيين لسجون حقيقية

  • 6/17/2021
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

تونس - يشارف مهندس شاب تونسي على الهلاك في السجن بعد إيقافه منذ اكثر من ثلاثة أشهر بتهمة تعدين عملة بيتكوين الرقمية رغم غياب قانون محلية تجرم هذا النشاط، وفي الوقت نفسه يتربع رئيس الحكومة هشام المشيشي على كرسي في مؤتمر دولي حول "تحديات التحول الرقمي" وخلفه يافطة كبيرة توارثها من سلفه يوسف الشاهد تحمل شعارا "تونس الرقمية" في مشهد سريالي يلخص حجم الهوة بين خطاب رسمي يستثمر في كل ما هو افتراضي والكتروني لاستمالة الشباب وتلميع صورة طبقة سياسية موصومة بالتخلف عن ركب العصر وواقع تصنف فيه البلاد كجزيرة معزولة تكنولوجيا تحكمها قوانين من القرن الماضي. وفي 13 مارس/آذار داهمت الشرطة منزل الشاب حسام بوقرة وحجزت معدات تستخدم في التعدين وقبضت على صهره قبل ان تلقي القبض عليه لاحقا، في حادث تحول الى قضية رأي عام وتجند خلاله نشطاء شبكات التواصل لفضح ما اعتبروه مظلمة تليق بـ"العصور الحجرية". وبوقرة عاد من ليبيا رفقة زوجته نهاية العام 2017 أين كان يعمل قبل الانتفاضة تقنيا متخصصا في صيانة الكمبيوترات ، وعُرف عنه شغفه بالألعاب الالكترونية والتكسّب عبر شبكة الأنترنت. وبعودة المهندس الشاب لتونس قرر وفق زوجته فاتن خوض غمار تجربة التعدين كهواية، قبل ان يرفع سقف طموحاته ويحصل على قرض بنكي صغير بنحز 3 الاف دولار اشترى بها عددا من بطاقات الرسوميات والالكترونيات لتوسيع نشاطه. وعقب المداهمة، فتحت النيابة العمومية بحثا ضد حسام وصهره الموقوفين بتهمة "تزوير أداة تحويل إلكتروني للأموال واستعمالها وقبول أموال باستعمال تلك الأداة"، وهو نص قانوني يعود الى العام 2005 ويشمل العملات غير الافتراضية. وقال محامي الشاب بوقرة الاستاذ رضا بن جمعة في تصريح لميدل ايست اونلاين ان الخبير القضائي المنتدب خلص الى ان المهندس الشاب "يعمل في مجال تعدين العملة الافتراضية وهي مسألة لم يقع تنظيمها من قبل المشرّع التّونسي وبالتّالي لا تعتبر جريمة". وقرر القاضي المكلف بالملف الافراج عن المتهمين، غير ان النيابة العامة استأنفت القرار ما أفضى في النهاية لاطلاق سراح الصهر والابقاء على حسام قيد الإيقاف. وفي تطور قضائي اخر، ختم قاضي التحقيق الملف وقرّر حفظ جميع التهم "لعدم وجود جريمة" مع الإفراج عن المتهم، لكن النيابة اصرت على الاستئناف مجددا بحجة "مزيد التّحرّي" ليظل حسام موقوفا الى غاية اليوم. وأكد المحامي ان المبلغ المحجوز في رصيد المهندس القابع في السجن البنكي لا يتخطى المئة دولار، فيما قالت مصادر قريبة من الملف ان محفظة حسام الرقمية لم يعثر فيها الا على عملة بتكوين بقيمة بضعة دولارات. وفي تصريح لميدل إيست اونلاين، قالت زوجة  الشاب الموقوف فاتن ان وشاية من الجيران على خلفية عمل مكيفات الهواء المتواصل خلال فترة الشتاء دفعت قوات الأمن لمداهمة المنزل. ويعد تعدين البيتكوين عملية يتم من خلالها إنشاء عملات جديدة وإدخالها في التداول ويتم ذلك بواسطة أجهزة كمبيوتر تحل ألغاز معقدة وتستهلك كميات كبيرة من الكهرباء وتستوجب تبريدا مستمرا. وأكدت فاتن ان قاضي التحقيق اخبرها خلال جلسة سماع ان الجهات الأمنية شكت في استخدام المنزل لحفظ جثث او تجارة أعضاء. وقالت زوجة حسام ان شقيقها الذي صادف تواجده في المنزل اثناء المداهمة الأمنية تعرض إلى الإيقاف لمدة 48 يوما ما تسبب له ذلك في خسارة عمله.  وأكد صهر حسام في مراسلة رسمية حصلت ميدل إيست اونلاين على نسخة منها ان قوات الأمن رفضت خلال المداهمة الاستظهار بإذن تفتيش وحطمت بعض الأثاث اثناء محاولتها العثور على أدلة ادانة. وحسام وفق زوجته هو العائل الوحيد لعائلته وطفليه، "وذنبه الوحيد انه حاول توفير مورد رزق بطريقة مبتكرة ولم يغادر البلاد". 'تونس الرقمية' تخشى الرقمنة ولا تجرم القوانين في تونس التعامل بالعملات الافتراضية وفي مقدمتها بتكوين، غير أن ضبابية مجلة الصرف (القوانين المتعلقة بالعملات الأجنبية) تسهل اعتبار هذه الأفعال مخالفات وفق بعض القراءات القضائية. ويطبع الاضطراب والتخبط تعامل السلطات مع التكنولوجيات الحديثة، اذ تشجع علنا الشباب على الانخراط فيها فيما تضع ترسانة قوانين وإجراءات بيروقراطية تعود لحقبة نظام الرئيس الراحل بن علي لمحاصرة استخدامها. وتبرر السلطات تحفظها حيال تقنيات الدفع وتحويل الاموال الحديثة بمخاوف من تبييض الاموال وتهريب الثروات للخارج. ويضطر التونسيون المهتمون بالعملات الرقمية والتحويلات الرقمية بعملات اجنبية إلى العمل مع شركات أجنبية في غياب غطاء قانوني يسمح لهم بتطوير هذه الأنظمة في تونس، كما يحاول اخرون باستمرار الالتفاف على غياب سبل للدفع الرقمي بالالتجاء لاقارب او اصدقاء مقيمين خارج البلاد. وحالة الشاب حسام ليست حالة معزولة، اذ يشتكي ناشطون في مجال التعدين باستمرار من مضايقات أمنية. وأوضح الأستاذ بن جمعة انه بلغ الى مسامعه ان متهما في قضية مشابهة تم ايقافه قبل الشاب حسام ويقبع في السجن الى الان. وعبر بن جمعة عن شعوره "بالقهر" والظلم لان الدولة تبقي موكله حبيسا بسبب ممارسة نشاط التعدين وجنيه دولارات معدودة، "فيما تمنح شركة سويسرية رخصة لممارسة نفس النشاط وجني المليارات التي يتم إيداعها في بنوك خارج البلاد". واكد بن جمعة ان الإفراج عن حسام رهبن مراسلة من البنك المركزي تؤكد ان التعامل ببتكوين لا يشكل جريمة، رغم وجود تصريح تلفزي لمحافظ البنك مروان العباسي يؤكد فيه غياب اي تشريع يجرم هذا الفعل. وندد بن جمعة بالتعامل البيروقراطي الذي يرفض اعتماد هذا التسجيل كأداة إثبات، مؤكدا انه حتى في حال اعتبار موكله مدانا في جريمة صرف او مسك لعملة أجنبية دون ترخيص فانه يفترض قانونا ابقاؤه في حالة سراح على ذمة القضية لعدم تشكيله اي خطورة على نفسه او على الغير. وفي 21 مايو/ايار قال العباس  ردا على تساؤلات نواب برلمانيين خلال جلسة حوار معهم انه تأثر كثيرا بعد الزج بشبان في السجن بسبب تداول العملات الرقمية أو التعدين أو الأعمال الحرة في هذا المجال. وأضاف مروان العباسي أن هذه العمليات دقيقة جدا وتتطلب تأطيرا في حال للسماح باعتمادها في تونس. وتابع قائلا "لكن لابد من الانتباه جيدا لمخاطر توظيف البعض لهذه الآلية لتبييض الأموال وغيرها من المخاطر التي تعرقل اعتماد هذه المنظومة والسماح باستخدامها من شباب طموح وأصحاب مشاريع ناشئة". وموقف محافظ البنك المركزي ليس حالة شاذة في الاوساط الحكومية والمسؤولة، اذ عبر ايضا وزير تكنولوجيا الاتصال محمد فاضل كريم عن استيائه من ايقاف المعدنين. ويؤكد خبراء في القانون ان الأصل في الأمور هي الإباحة وهو مبدأ عام في القانون المدني والجزائي وان انعدام النص الخاص في الجزائي في التشريع يفرض العودة للمبادئ العامة للتفسير والتأويل. ويخوض حسام بوقرة المصاب بالسكري منذ أيام اضراب جوع تسبب في فقدانه احدي عينه البصر، ونقلت زوجته عنه الأربعاء رسالة خطية هدد فيها بإنهاء حياته وسط مطالبات حقوقية باطلاق سراحه وحملات مساندة على صفحات فيسبوك. وتتعرض عملة البتكوين المشفرة بانتظام لانتقادات الجهات الناظمة والحكومات بسبب استخداماتها غير القانونية لما توفره تحويلاتها من خصوصية، غير انه يندر ان تجرم استخدامها الحكومات صراحة. ويختلف الوضع القانوني للبيتكوين وغيرها من العملات المشفرة بشكل كبير من بلد إلى آخر ولا يزال غير محدد أو متغير في أغلبها رغم منع دول قليلة التداول بها.

مشاركة :