أعلن البنك المركزي السعودي في 23 يونيو المنصرم، حصول موافقة مجلس الوزراء على الترخيص لأول بنكين رقميين افتراضيين محليين، الأول: بنك اس تي سي الرقمي، وذلك عن طريق تحويل شركة المدفوعات الرقمية السعودية (STC Pay) لتصبح بنكا رقميا محليا لمزاولة الأعمال المصرفية في المملكة برأسمال يبلغ (2.5) مليار ريال. أما البنك الرقمي الثاني: البنك السعودي الرقمي، حيث تم منح ترخيص لتحالف عدد من الشركات والمستثمرين بقيادة شركة عبدالرحمن بن سعد الراشد وأولاده لتأسيس بنك رقمي محلي برأسمال بلغ (1.5) مليار ريال سعودي، فما المقصود بالبنك الرقمي الافتراضي؟ وبماذا يختلف عن الخدمات الرقمية في البنوك التقليدية، وعن البنوك الرقمية المنبثقة عنها؟ وما الانعكاسات المتوقعة لهذا القرار على الجهاز المصرفي السعودي خاصة، على الاقتصاد والمجتمع السعودي عامة؟ نحاول من خلال مقالين تسليط الضوء على ذلك بدءا من الإطار المفاهيمي، حيث يعرف البنك الرقمي Digital bank ويسمى أيضا بالبنك الافتراضيVirtual bank بأنه بنك يعمل فقط على شبكة الإنترنت وليس له أي فروع أو بنية مادية، باستثناء مركز رئيسي للإدارة وعدد محدود من الموظفين لتطبيق معايير الرقابة والحوكمة والمخاطر، ويقدم ذات الخدمات التي تقدمها البنوك التجارية التقليدية، حيث يسمح لعملائه بفتح الحسابات والقيام بجميع العمليات المصرفية مثل الإيداع والسحب وإصدار الأوامر بالدفع وتحويل الأموال والتمويل للأفراد والمشروعات الصغيرة والمتوسطة وغيرها من خلال الهاتف المحمول، وأجهزة الحاسوب. كما يصدر البنك الرقمي بطاقات الصراف الآلي والبطاقات الائتمانية الرقمية اللا تلامسية، والتي يمكن الصرف منها من خلال أجهزة الصراف الآلي للبنوك باستخدام تقنية QR ويعرف البنك الرقمي أيضا بأنه نموذج أعمال مصرفي جديد ناتج عن تطبيقات التكنولوجيا المالية، باعتباره منصة رقمية افتراضية خالصة (لا وجود مادي لها). اما الخدمات الرقمية في البنوك التقليدية فهي عبارة عن تسهيلات مصرفية تتيحها البنوك لعملائها لإنجاز قسم من معاملاتهم عبر شبكة الانترنت من خلال أجهزة الحاسوب أو الهاتف النقال، وهي جزء من الهيكل والنظام والإدارة ونموذج العمل المصرفي للبنك، وهي ليست وليدة التكنولوجيا المالية المعاصرة، وانما تعود نشأتها إلى مطلع عقد الثمانينيات من القرن الماضي، وتطورت تقنياتها مع بروز التكنولوجيا المالية بهدف تمكين عملاء البنوك من إدارة حساباتهم وأعمالهم المتصلة بالبنك عبر شبكة الانترنت سواء كان العميل في المنزل أو المكتب وفي أي مكان وفي الوقت الذي يرغبه، ويعبر عنها بالخدمة المالية عن بعد، أو البنوك الالكترونية. بأنها وحدات طرفية تقوم بتقديم الخدمات المصرفية عبر الانترنت ومن خلال أجهزة الحاسوب. أي ان البنوك الالكترونية لها وجود مادي متمثل بالبنك الأم الذي نشأت عنه، وموارد بشرية يتم التواصل معها، ولها فرع أو موقع إلكتروني على الشبكة العنكبوتية. وقد مرت البنوك الالكترونية بثلاث مراحل تطورية: المرحلة الأولى - نشأة الموقع المعلوماتي للبنك التقليدي، ويعد المستوى الأساسي والحد الأدنى للنشاط الإلكتروني المصرفي، ويسمح هذا الموقع للبنك بتقديم معلومات حول برامجه ومنتجاته وخدماته المصرفية. أما الثانية فهي الموقع الاتصالي، حيث أصبح هذا الموقع يتيح عملية التبادل الاتصالي بين البنك والعملاء مثل البريد الإلكتروني، تعبئة طلبات أو نماذج على الخط، وتعديل معلومات القيود والحسابات، والاستفسارات. اما المرحلة الثالثة فهي الموقع التبادلي، ويمكن من خلاله أن يمارس البنك نشاطاته عبر شبكة الإنترنت، كما يمكن للعميل القيام بقسم من معاملاته إلكترونيا. بينما البنك الرقمي المنشأ من قبل بنوك تقليدية هو مرحلة أكثر تطورا من ذلك، وهو جزء من عملية رقمنة أوسع لمواكبة تطور التكنولوجيا المالية والاستفادة من مزاياها، الا انه أيضا فرع تابع للبنك التقليدي، ويخضع لسياساته، وهو جزء من هيكله ونظامه الإداري. وعلى الرغم من ان اغلب الخدمات التي يقدمها لعملائه تتم من خلال القنوات الرقمية، الا انه ليس جميعها من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن التسهيلات والخدمات التي يقدمها غالبا ما تكون بذات التكاليف التي يفرضها البنك المنشأ. في حين أن سياسات وتكاليف خدمات البنك الرقمي الافتراضي مستقلة ومرنة ومتنامية. وعموما يعد البنك الرقمي الافتراضي مرحلة متقدمة جدا عن البنوك الرقمية المنشأة كفروع تابعة لبنك تقليدي قائم، لتقديم منتجات وخدمات مصرفية كاملة عبر الانترنت وبما يعزز تجربة العملاء، عبر قدرتها الفائقة على التكيف مع نموذج التشغيل الرقمي من أجل توفير المزيد من المنتجات المالية لعملائها، مثل الدفع عبر الهاتف المحمول أو الإقراض القائم على التكنولوجيا أو التأمين الرقمي أو الاستثمار الرقمي وغيرها من المتطلبات المتنامية الناجمة عن التحول والتغيير في سلوك العملاء والسوق. فضلا عن قدرتها الكبيرة على مواكبة التطور في التكنولوجيا المعاصرة كالذكاء الاصطناعي أو الحوسبة السحابية أو البيانات الضخمة أو غيرها من التقنيات المعتمدة في التكنولوجيا المالية، وبما يخلق إمكانيات فائقة لتحسين وتطوير عملياتها المصرفية ويؤدي إلى تعزيز وتطوير تجربة العملاء واتساع خياراتهم المصرفية، ومنحهم مزيدا من الخصوصية، ورقيا في نمط العمليات المصرفية بما يواكب العصر. وعموما فإن البنوك الرقمية الافتراضية تنشأ كبرامج إلكترونية مستقلة تماما عن أي بنك قائم وجميع عملياتها وارتباطاتها تتم من خلال برنامج إلكتروني أسوة بمنتجات التكنولوجيا المالية الأخرى. أي أنها عملية افتراضية تتضمن الخدمات المصرفية عبر الإنترنت، وما بعدها، حيث تشمل الخدمات المصرفية الرقمية، الواجهة الأمامية التي يراها العملاء، والنهاية الخلفية التي يراها المصرفيون من خلال خوادمهم، ولوحات التحكم الإدارية والبرامج الوسيطة التي تربطها. ويعد عدم وجود فروع وبنية مادية للبنوك الرقمية ميزة موفرة للتكاليف، تتيح لها تقديم حسابات ادخار ذات معدلات فائدة أعلى وقروض وتمويلات وخدمات بأسعار فائدة أقل من معظم البنوك التقليدية. كما تتسم البنوك الرقمية بأنها صديقة للبيئة، فهي تسهم في خفض الازدحام المروري، وتوفير المباني والمعدات والأجهزة المكتبية التي تعتمدها البنوك التقليدية. وللموضوع بقية في مقال آخر إن شاء الله. } أكاديمي وخبير اقتصادي
مشاركة :