منذ عدة أشهر، عندما كنت أتجول في السوق الحرة بمطار طوكيو الدولي، لفتت نظري ساعة من نوع «سيكو»، نظراً لارتفاع سعرها مقارنة بـ «ماركتها الشعبية»، فسألت البائع و «أنا مندهش» عن السر وراء ذلك السعر المرتفع، فقال لي إنها مصنوعة بالكامل باليد «Hand Made»، وبناء عليه قررت اقتناء تلك الساعة نظراً لتلك الخاصية الفريدة. طلب مني البائع جوازي، ولم يطلب بطاقة صعود الطائرة كالعادة، تعجبت من طلبه، ولكنني انتظرت قليلاً، وفي لحظة قال لي بلغة السوق المحلية: «يفتح الله». سألت مستغرباً وغاضباً لماذا لا تُنهي هذه الصفقة التجارية الرابحة، وتميزني عن بقية أبناء جلدتي، ممنياً نفسي الضعيفة في أن أكون من أوائل المقتنين لمثل هذه الساعة، فقال لي البائع إن مثل هذا النوع من الساعات لا يُباع إلا لليابانيين فقط! تعجبت كثيراً وقلت بـ «صفاقة»: الأمر بسيط، سوف أحضر شخصاً من بني جلدتكم «من الباطن» بحكم ما أسمعه عما يُعرف لدينا بـ «مقاول الباطن والتاجر المتستر»، وذلك لإتمام عملية البيع، ثم أقوم بـ «دهن سير» ذلك الياباني «المشتري المستعار» لكيلا يُسمع صوت «سيره» قبل بدء وعند إتمام وبعد انتهاء الصفقة. رفع البائع رأسه، وقد احمرت عيناه، وانتفخ خداه، فقلت في نفسي «يا الله عسى خيراً، ولعل العواقب تكون سليمة، ونخرج بسلام من هذا الموقف، ومن هذا البلد»، ولكنه ما لبث أن هدأ، وانتهى غضبه بعد تدخل «النور إدرينالين» العجيب، لينتهي الموقف «لطفاً من الله بحالي»، وقال لي بكل ثقة: ليس فينا مَنْ يفعل ذلك السلوك المهين، إنها اليابان! ثم أرجع لي جوازي بسلام، والتفت لـمَنْ يقف ورائي في الصف، ولسان حاله يقول «مَنْ أي بقعة أتيت أيها الأعرابي». هنا أدركت معنى المواطنة الحقيقية.
مشاركة :