«كلما كبرتُ، كانت الحرب تكبر... كلما اكتنز جسدي شباباً وحيوية، كانت الأرض تكتنز شباباً أيضاً، ولكن بصورة جثث اغتيلت أحلامها...» عبارة تختزل ذلك الشعور المتناقض الذي كانت تعيشه فتاة، تفتحت زهرتها على قرع طبول الحرب ورائحة البارود... فتاة عاشت حياتها بكل إرادتها دون أن تسمح لأحد التدخل في صياغتها أو حتى يضع عليها لمساته الخاصة. تلك هي «حياة» بطلة رواية «حياة.. حينانا» للروائي حسين السكّاف التي صدرت حديثاً عن دار رؤى، رواية ينسج بداخلها الأديب والروائي حسين السكاف الذي عرفنا عنه أعمالاً روائية تهتم بدراسة الشخصية وتركيبتها السايكولوجية بتحليل عميق لا تنقصه العلمية وليس بعيداً عن خصائص وتداعيات المجتمع الحاضن لشخصياته، فبعد روايته «وجوه لتمثال زائف» الحائزة على جائزة كتارا 2017، والتي تضع أمام القارئ دراسة وافية لشخصية الرجل «الشرقي» أو العراقي على وجه التحديد... نتلمس في روايته الجديدة «حياة.. حينانا» تجربة سردية متقنة البناء والفكرة، تجربة تعتمد الدراسة التحليلية المعمّقة لتركيبة الشخصية الأنثوية. دراسة سيسولجية وسايكولوجية عن تركيبة الشخصية الأنثوية التي عاشت صراعات بلد الحروب والكوارث، تحت خيمة قانون التقاليد والأعراف الاجتماعية، الواقفة حتماً بوجه تحرر المرأة، ومحاولتها الانفلات صوب الحرية. فالرواية تشكل دعوة لتحرر المرأة «الفتاة» من قيود كبّلت حريتها طويلاً... ولعل إشارة الإهداء التي في «حياة» بطلة الرواية، هي عشتار بابل، وهي «إنانا» سومر ابنة الرافدين مصدر الخصب والمفعمة بالحب والقوة والتمرد والرغبة الطافحة، هي العاشقة اللعوب التي تمنح جسدها وحبها لكل من يستحق من عشاقها، وهي من تختارهم وفق ما تمليه عليها شهوتها، وهي الإلهة المعبودة والمقدسة، وهي العابرة للرجال برغبتها وليسوا هم من يعبرونها. الرواية تدخل من بوابة عالم «الحياة السومرية» عن طريق استعارة مقاطع من ملحمة كلكامش، تشير إلى الرأي الذي ينحو صوب هوس المرأة بالإغراء «عشتار» وحبها ثم هجرها لـ«ديموزي» المتمثل بشخصية «كريم ميرزا» الصحفي والروائي الذي أحبته «حياة» والذي رغم مرور العديد من الرجال في حياتها، إلّا أنها تعترف للقارئ بأنه «الحبيب الأول». تناولت الرواية من خلال سيرة حياة شخوصها، الحياة الاجتماعية في العراق من عادات وتقاليد وسواها.
مشاركة :