بدأت حملة الدعاية الانتخابية للمرشحين بالعراق، وفقا لقرار مفوضية الانتخابات النيابية الذي حصرها في المدة من 8 يوليو حتى 7 أكتوبر المقبل، حيث يتنافس فيها 3243 مرشحا أمام أكثر من 25 مليون ناخب عراقي. وبمجرد أن أعلن قرار المفوضية الإيذان ببدء الدعاية الانتخابية بعد أن حظيت أسماء المرشحين بالمصادقة، وإجراء قرعة أرقام المرشحين، بدأ ماراثون السباق الانتخابي، وهو مكمل لحملات دعائية مضى عليها أكثر من سنة في واقع الحال، ليكون أطول مشوار انتخابي، إذا ما أخذنا في الاعتبار موعد إجراء الانتخابات المقرر سابقا في 6 يونيو الماضي، قبل تأجيله إلى 10 أكتوبر المقبل، بهدف استكمال التحضيرات الانتخابية. والحديث عن الدعاية الانتخابية، هو الهم الشاغل للعراقيين في الوقت الحاضر، فما ذنبهم أن يتحولوا إلى حقل تجارب من الضخ المعلوماتي، والتأثير النفسي والتضليل والتزييف والتجهيل من قبل القوى الحزبية والكتلوية المتنافسة على كسب عطف الناخب؟ خاصة إذا علمنا أن حقيقة الدعاية تحولت من برامج تقليدية تمارسها القوى السياسية في الانتخابات لصناعة رأي عام يحقق للناخب فرصة اختيار صاحب الكفاءة والنزاهة، إلى برامج وهمية في الغالب تقوم على الشيطنة وتشويه سمعة المرشح، وتلويث عقول جمهور دائرته الانتخابية، وحرمانهم من انتخاب مرشح مؤهل لحمل صفة التمثيل النيابي، لانتخاب مرشح لا يبغي من الوصول إلى قبة البرلمان إلا كسب المال من دون أن تتوافر فيه أدنى مواصفات التمثيل النيابي. أصبحت صناعة الرأي العام حرفة ذهنية يشكلها المتلاعبون والمزيفون للحقائق عبر توظيف منصات التواصل الاجتماعي، وفبركة الشائعات وانتشارها بأقرب وقت، لمجرد اختيار الأدوات والأذرع التسقيطية ضد المرشح المناسب، بينما غابت عن برامج الحملات الانتخابية، الدعاية الحقيقية القائمة على مبدأ أن يكون هناك برنامج عمل حقيقي، تُناقش على أساسه خطوات التنفيذ الميداني. لقد أصبح المال الفاسد العصا السحرية التي ينحني أمامها كثير من الضعفاء، إما لتردي أوضاعهم المادية، وارتفاع نسب البطالة بينهم ولاسيما الشباب منهم، أو لوجود جهة سياسية تقرأ جيدا هذه الفجوة في المجتمع، وتستغلها في ممارسة التزييف، وتعطي وعودها بفرص التوظيف والعقود واستغلال طاقات الشباب، في إطار منهج دعائي سياسي يقوم على سرقة الجهود وتخريب النفوس من دون الوفاء بتنفيذ الوعود. ليكن الله في عون البيئة العراقية، وشوارعها وتقاطعاتها ومتنزهاتها، التي ستعج بصور المرشحين، واللوحات التي ستنصب في كل مكان جميل، وتنهي بذلك بريق الجمال. إنها أساليب دعائية مشوهة تكررها علينا القوى السياسية كل أربع سنوات، وتفتقر إلى أدنى أصول الذوق، والسبب المال المنهوب من أموال الدولة ومشاريعها المتروكة من دون إنجاز، وكذلك ضعف الوعي الحقيقي بأصول الدعاية الانتخابية، والتنافس المغلوط في تعليق الصور، وتمزيق صور المرشح الآخر في إطار التسقيط اللا مبرر، ومرد ذلك كله إلى أن المجتمع مغلوب على أمره، والعبثية هي عنوان الحياة، والفساد ينشئ الفقر والجهل، ويجعل البسطاء أدوات هدم بيد الأثرياء من الفاسدين الأغبياء. لا نخاطب المرشحين، وهم قلة أمام 40 مليون عراقي، بل نعرض الحقائق والسلوكيات المغلوطة، أمام الجمهور العراقي بغية اختزال الحقيقة من بين ركام الفوضى، واختيار من يجده مناسبا للنيابة البرلمانية، ويخدم المصلحة الوطنية العليا للوطن، وعدا ذلك، فالحذر من تكرار تجربة انتخابات 2018 المطعونة بشرف مصداقيتها. { كاتب وأكاديمي عراقي Faidel.albadrani@gmail.com
مشاركة :