إصلاح التعليم هو الخطوة الأهم لمحاربة الإرهاب والسير بالوطن نحو العالم الأول، وهو يستحق كل ما يبذل في سبيله من جهد ومال وصبر ومثابرة، وأولى خطوات إصلاحه إعطاء المرأة دورها القيادي في التربية ووضع الأساس القوي لما بعده. للمملكة منزلة متميزة لدى المواطن العربي ومواطني الدول الإسلامية، ينظرون إليها بفخر ومحبة، يرون أنها الأقدر للعبور بالعالم العربي والإسلامي إلى برّ الأمان في هذه الظروف الصعبة، لمست ذلك من خلال حديثي مع الكثير من المثقفين ومنهم زملاء في البرلمان العربي الذي يضم نخبة من ممثلي الشعوب العربية، هذا الحب والتقدير يمكن أن يعزَّز وينمى أكثر بسعي المملكة الجاد للوصول إلى العالم الأول حيث الخدمات الراقية واحترام الإنسان وحريته وتعزيز مبدأ الحوار والتسامح، وتنويع مصادر الدخل من خلال التركيز على التعليم الجيد الذي أخذت به الدول المتقدمة ومنها سنغافورة وفنلندا وكوريا الجنوبية، دول كانت قبل ثلاثين عاماً من أفقر الدول وأقلها دخلاً والآن أصبحت بفضل التعليم من الدول الغنية، يقول نيلسون مانديلا: التعليم الجيد هو أمضى سلاح يمكن أن يستخدم لتغيير العالم. وتعليمنا الحالي لا يرقى بحال من الأحوال إلى مكانة المملكة الروحية والاقتصادية والسياسية والعسكرية، سواء مخرجات التعليم العام أو الجامعي، وقد تحدثت في مقالي السابق عن الدور المأمول من الجامعات واليوم أرى أن التعليم العام بحاجة إلى إصلاح شامل يفضي إلى عالم أكثر حباً وتسامحاً ووعياً، يمنح الأمل ويقضي على الملل، ويحبب الطلبة بمدارسهم ويختصر هذا الكم الهائل من المواد المطلوب من المعلم تدريسها واستبدالها بإجراء التجارب والتطبيق وممارسة العادات الجميلة والقيم السامية على أرض الواقع ومن خلال الأنشطة المدرسية. من أراد أن يعرف الخلل في تربية أبنائنا فليذهب إلى الأسواق والحدائق ويرى هذا الكم الهائل من المخلفات ومن الإسراف والتبذير، ومن الرعونة في التعامل مع الآخر، والتهور في قيادة السيارة، وانتشار العادات المضرة كالتدخين والمخدرات، وإدمان استخدام الأجهزة الذكية والكسل والتواكل. ورغم ما تمثله الأسرة من أهمية في التربية إلا أن أكثرها فاقد لهذا الشيء إما بسبب الجهل أو الإهمال، ولهذا لا يمكن أن يقوم بهذا الدور سوى تعليم متميز ومن خلال إصلاح شامل لا يكتفي بإعادة إخراج المقررات بأغلفة جديدة ملونة أو بإضافة معلومة أو حذفها، فالمطلوب هو تغيير شامل لطريقة التدريس والتركيز على الكيف قبل الكم، وبناء القدرات والمهارات، والتعلم عن طريق اللعب والمرح، وإشراك الطالب بجعله محور العملية التعليمية خصوصاً في المرحلة الابتدائية والتي تضع الأساس لكل ما بعدها من المراحل فأهم ما في المبنى أساساته، ولهذا أقترح لهذه المرحلة ما يأتي: أولاً- تغيير يشمل عدد السنوات بحيث تصبح المرحلة الابتدائية أربع سنوات فقط لتمكين المرأة من تدريسها للطلبة والطالبات، ذلك أنها الأكثر صبراً وقدرة على تربية الأطفال في هذه السن، على أن يركز في الأربع سنوات على مهارتي القراءة والكتابة وتعليم القيم السامية والأخلاق الفاضلة من خلال تطبيقها في كل أنشطة المدرسة من وقت دخول الطالب باب المدرسة في الصباح وحتى خروجه منها، وتشجيع الطالب على استعارة كتاب في كل أسبوع كما هو معمول به في المدارس المتميزة، وتشجيعه على ممارسة الرياضة لمحاربة التدخين والسمنة والمحافظة على صحته البدنية والنفسية. ثانياً- تطوير التعليم لمواكبة العصر يتطلب قراراً سيادياً يستفيد من خبرات الدول المتقدمة في هذا المجال، فقد تعرض التطوير في المحاولات السابقة للكثير من الصعوبات بسبب مقاومة التغيير من داخل الوزارة وخارجها، ووضع الكثير من الخطوط الحمراء أمام القائمين على التغيير خصوصاً المواد التي هي الأحوج للتغيير والتطوير للانتقال بها من التلقين إلى التطبيق، ومن الحفظ إلى الفهم، وإفساح المجال للمزيد من الأنشطة. أتذكر جيداً ذلك الطفل الذي رأيته يطارد قطة في حديقة الحي وخلفه عدد من إخوته ووالدته تجلس غير بعيد عنه. كان يلاحق القطة المسكينة ويرميها بالحجارة حتى لجأت إلى شجرة، وحين استوقفته وحاولت نصحه وكيف أن امرأة دخلت النار بسبب هرة، فاجأني بإكمال الحديث مع مواصلة رمي القطة بالحجارة، وحين ذكرت له قصة المرأة التي دخلت الجنة بسبب سقياها لكلب يلهث من العطش أكمل الحديث أيضا دون أن يتوقف ويرتدع، هذا الطالب يدرس في السنة السادسة الابتدائية وحفظ الكثير من الآيات والأحاديث التي تحث على الرحمة والرفق والتسامح لكنها كانت لاجتياز الاختبار فقط فهو لم يطبقها لا في البيت ولا في المدرسة، وقس على ذلك النظافة والصحة وعدم الإسراف في المشرب والمأكل وغير ذلك الشيء الكثير. ثالثاً- إصلاح التعليم هو العامل الأهم لأمن المملكة واستقرارها، وقطع الطريق على من يستغل أبناءنا للالتحاق بمنظمات إرهابية انتشرت في العالم الإسلامي بكثرة، وسيقلل من تسرب الطلبة من التعليم في سن مبكرة، وهو أكبر مؤثر في اقتصاد البلد وقوته، وفي صحة المجتمع والرعاية الصحية الأولية التي تحارب المرض قبل حدوثه، كما أننا حين نرتقي بأداء الفرد وسلوكه نرتقي بكافة الخدمات ونجني الكثير من الفوائد في الحاضر والمستقبل، ولهذا أعتقد أن إنشاء مدارس ابتدائية نموذجية تبنى وتدار بالتعاون مع بيوت خبرة عالمية من دول نجحت في هذا المجال ويبدأ ببرنامج تأهيل المعلمات أولاً، وبعد تخرج أول دفعة من الطلبة ستتضح النتائج وسينادي بتعميمها الجميع، حينها يتم تغيير مرحلتي المتوسطة والثانوية إلى أربع سنوات لكل منهما لتتوافق مع سنّ الطالب ومع ما يتطلبه المجتمع والوطن، مع بقاء المدارس الحالية ونظامها مؤقتاً لمن لا يرغب في التغيير. إصلاح التعليم هو الخطوة الأهم لمحاربة الإرهاب والسير بالوطن نحو العالم الأول، وهو يستحق كل ما يبذل في سبيله من جهد ومال وصبر ومثابرة، وأولى خطوات إصلاحه إعطاء المرأة دورها القيادي في التربية ووضع الأساس القوي لما بعده.
مشاركة :