السقوط الحر لليرة يستنزف ما تبقى من القدرة المعيشية للبنانيين بيروت- طغت هواجس تسارع انهيار اقتصاد لبنان على معظم المواطنين الغاضبين بعد أن تراجعت قيمة العملة المحلية إلى مستوى تاريخي، يقول خبراء إنها ستستنزف ما تبقى من قدرتهم المعيشية المتردية أصلا. وبدأ اللبنانيون يشعرون أن بلدهم يمشي بخطى ثابتة نحو المجهول في ظل أزمات غير مسبوقة تتفجر تباعاً في كافة مناحي الحياة وعلى مختلف الأصعدة. وسجلت منصات السوق السوداء غير الرسمية بعد اعتذار رئيس الحكومة المكلف سعد الحريري عن تشكيل حكومة جديدة ارتفاع سعر صرف الدولار من 19.2 ألف ليرة إلى ما بين 21.7 ألف ليرة للشراء و21.3 ألف ليرة للبيع بعدما كان عند 17.5 ألف ليرة. وهذا الانخفاض في قيمة العملة المحلية يأتي بينما السعر الرسمي المحدد من مصرف لبنان المركزي لا يزال عند 1515 ليرة لكل دولار. ودفع هذا التراجع غير المسبوق لليرة المحلات التجارية إلى إقفال أبوابها بحسب وكالة الأنباء اللبنانية الرسمية كما دفع بالمحتجين إلى قطع الطرق في العديد من مناطق البلاد. الانخفاض في قيمة العملة المحلية يأتي بينما السعر الرسمي المحدد من مصرف لبنان المركزي لا يزال عند 1515 ليرة لكل دولار ويهدّد الانهيار التاريخي لليرة مختلف القطاعات الاقتصادية ويفاقم الضغوط على الأسواق التجارية مع انفلات أسعار المواد الاستهلاكية وفقدان السلع، مما يثير مخاوف من انهيار كامل للمنظومة الاقتصادية والاجتماعية والصحية. وفي بلد يستورد معظم احتياجاته من الخارج ويقوّم السلع بالدولار لتباع بالليرة وفق سعر الصرف الرسمي، يشكل الانفلات والتقلب المستمر للدولار بنسبة عالية في وقت قصير مصدر أزمة كبرى لقطاعات عدة حيث يضعها أمام الشلل والعجز عن الاستمرار بتوفير الخدمات أو السلع. ويواجه لبنان منذ أغسطس الماضي شغورا حكوميا بسبب خلافات القوى السياسية وأزمات مالية ومعيشية وصحية متشابكة أدت إلى اتساع رقعة الفقر والبطالة والتضخم المالي وسط تراجع متسارع في احتياطات العملة الصعبة مع تقنين المصارف للسحوبات النقدية بالدولار وتقييدها بالعملة المحلية. وتعاني المصارف، التي تعد محورية للاقتصاد القائم على الخدمات من حالة من الشلل، وقد حالت بين أصحاب المدخرات وحساباتهم الدولارية أو أبلغتهم أن قيمة الأموال التي يمكنهم الحصول عليها انخفضت. ويؤكد محللون أنه على الرغم من أن الليرة مرتبطة منذ عقود بالدولار لتسيير شؤون الدولة وخاصة أثناء الظروف المتقبلة، إلا أن الاعتماد بشكل أساسي على هذا المعطى غير كاف للخروج تدريجيا من الأزمة. وتشكو الدولة من ضعف كبير في الإنتاجية وتضرر عدة قطاعات بسبب شح السيولة النقدية، إلى جانب معدل الديون البالغ 150 في المئة إلى الناتج المحلي الإجمالي، وهو من بين أعلى المعدلات في العالم. ويأتي الصعود الجديد في قيمة الدولار وسط مخاوف من انهيار الأوضاع وتفشي الفوضى في لبنان بعد انسداد السبل وتزايد الصعوبات أمام تشكيل حكومة ببلد يعيش أزمة نقص في الأدوية والوقود الذي بدأ ينفد من العديد من المستشفيات والأفران وسط تقنين شديد في التيار الكهربائي لعدم توافر كميات كافية من الفيول لتشغيل معامل الإنتاج. ويعاني اللبنانيون من أزمات سياسية واقتصادية ومعيشية وصحية متشابكة أدت لارتفاع معدل الفقر إلى أكثر من 50 في المائة وتفاقم البطالة والتضخم وتآكل المداخيل والمدخرات وسط ارتفاع غير مسبوق في الأسعار. وأعلن صندوق النقد الدولي الأربعاء الماضي، تخصيص مبلغ 860 مليون دولار للبنان، ضمن برنامج قيمته 650 مليار دولار توزع على 190 دولة خلال الشهرين المقبلين، في إطار خطة لزيادة احتياطيات الصندوق من خلال حقوق السحب الخاص. وكان البنك الدولي قد رأى في تقرير صدر مؤخرا أن لبنان يشهد أزمة اقتصادية ومالية تعد من بين “الأزمات العشر وربما من بين الأزمات الثلاث الأكثر حدة عالميا منذ أواسط القرن الـ19 في غياب أي أفق حل يخرجه من واقع مترد يفاقمه شلل سياسي”.
مشاركة :