تتزايد التحذيرات من دخول الاقتصاد اللبناني إلى مستوى أعمق من الأزمة، في ظل تنامي انتعاش التجارة غير القانونية مع سوريا وبسبب ضعف الرقابة على الحدود، الأمر الذي يعقّد من برنامج الإصلاح الذي تنوي بيروت القيام به بالاتفاق مع صندوق النقد الدولي. بيروت - طفت قضية المعابر غير الرسمية على السطح مرة أخرى في لبنان، مع وضع صندوق النقد الدولي إغلاقها شرطا لتقديم المساعدة للبلاد التي تئن تحت أسوأ أزمة اقتصادية منذ انتهاء الحرب الأهلية عام 1990. وعمق ازدهار التجارة الموازية على ما يبدو من جراح الاقتصاد اللبناني الذي يعاني ويلات الأزمات المتتالية نتيجة عوامل داخلية مرتبطة بالفساد والبيروقراطية، وعوامل خارجية تتعلق بالاضطرابات في دول المنطقة وفي مقدمتها الجارة سوريا. ويبلغ عدد المعابر الرسمية بين سوريا ولبنان خمسة معابر. وقال المجلس الأعلى للدفاع في لبنان، العام الماضي، إن 124 معبرا غير رسمي تمر خلالها عمليات تهريب واسعة بين البلدين. ويرى كثير من اللبنانيين وأطراف سياسية في المعابر غير الرسمية تهديدا مباشرا للاقتصاد، وللمفاوضات التي تجريها الحكومة مع صندوق النقد. وينظر معارضو النظام السوري في لبنان بعدم الرضا لخطوات التطبيع بين بلدهم ودمشق، والتي ترجمت في نهاية 2017 إعادة فتح معبر القاع جوسيه وقبلها تعيين سعيد زخيا سفيرا للبنان لدى دمشق. باتريك مارديني: عمليات التهريب ستتفاقم إذا تم إقرار دعم السلة الغذائية باتريك مارديني: عمليات التهريب ستتفاقم إذا تم إقرار دعم السلة الغذائية وهذا المعبر هو أحد المعابر الرسمية بين الجارين، ويقع في شرق لبنان وفي محافظة حمص وسط سوريا، وأقفل في العام 2012 مع بداية النزاع السوري بعد سيطرة الفصائل المعارضة على الجهة المقابلة من الحدود. ويشق لبنان طريقا وعرة لإصلاح الاختلالات التي تسربت إلى كل مفاصل الاقتصاد. وبدأت الحكومة اللبنانية في 11 مايو الماضي، مفاوضات مع صندوق النقد سعيا منها للحصول على تمويل خطتها لإنقاذ اقتصاد البلاد من أزمة اقتصادية، دفعت لبنان إلى تعليق سداد ديونه الخارجية. واشترط البنك الدولي لمساعدة لبنان، إغلاق المعابر غير الشرعية مع سوريا، كإحدى أدوات التسرب المالي والسلعي. ويرى وهبي قطيشا، العميد المتقاعد والنائب البرلماني عن كتلة القوات اللبنانية، أن النظام السوري المحاصر هو المستفيد الأكبر من المعابر غير الرسمية مع لبنان. ونسبت الأناضول لوهبي قطيشا قوله إن “المعابر غير الرسمية تهرّب إلى النظام السوري المواد الاستهلاكية المدعومة في لبنان، كالطحين والمازوت والأدوية والدخان”. وأضاف أن “جماعات في لبنان تستفيد أيضا من هذا الواقع؛ مشيرًا أن هناك تهريبا من جانب النظام السوري”. وتابع أن “البضائع التي تصل إلى منطقة بانياس السورية تُهرب إلى لبنان عبر قوى متعاونة مع النظام مثل الإلكترونيات، ما يحرم الدولة اللبنانية من عائداتها الضريبية”. وتعتبر العلاقة مع النظام السوري، من أبرز المسائل الخلافية في لبنان وتطالب قوى وأحزاب لبنانية، في مقدمتها القوات اللبنانية بزعامة سمير جعجع، والحزب التقدمي الاشتراكي، بزعامة وليد جنبلاط، التحقيق في قضية تهريب الطحين والمازوت إلى سوريا. ولكن حزب الله وحليفه التيار الوطني الحر، الذي ينتمي إليه رئيس البلاد ميشال عون، يعتقدان أن ضبط الحدود بين لبنان وسوريا يجب أن يتم بالتعاون بين البلدين. 124 معبر غير رسمي تمر خلالها عمليات تهريب واسعة بين البلدين 124 معبر غير رسمي تمر خلالها عمليات تهريب واسعة بين البلدين ويواجه حزب الله اتهامات مباشرة بالمسؤولية عن هذا الملف لتحالفه الوثيق مع النظام السوري، وهو ما يجعل حلول هذه المعضلة تتضاءل بشكل أكبر. ويقول النائب عن حزب الله أمين شري إن الموضوع يجب أن يُطرح على المعنيين مثل الحكومة والأجهزة الأمنية، وهم مكلفون بتطبيق قرارات مجلس الدفاع الأعلى في هذا الخصوص. أما النائب عن التيار الوطني الحر أسعد درغام فيعتقد أنه من الأفضل في ملف ضبط الحدود التعاون بين البلدين وفق الاتفاقيات المبرمة “ولاسيما في موضوع المعابر غير الشرعية”. ويشهد لبنان منذ منتصف أكتوبر الماضي احتجاجات غير مسبوقة مطالبة برحيل الطبقة السياسية، التي يعتبرها المحتجون مسؤولة عن الفساد المستشري في مؤسسات الدولة، والذي يرون فيه السبب الأساسي للانهيار المالي والاقتصادي. ويحمل العديد من الخبراء مصرف لبنان المركزي جانبا من المسؤولية عن انتعاش عمليات التهريب عبر الحدود مع سوريا. ويقول الخبير الاقتصادي باتريك مارديني إن سبب التهريب هو سياسة الدعم التي ينتهجها مصرف لبنان، من خلال دعم المحروقات والطحين والقمح، والتي تباع في لبنان بأقل من كلفتها. ورجح مارديني اتساع عمليات التهريب في ظل طلب وزير الاقتصاد اللبناني راوول نعمة بدعم السلة الغذائية. وقال إن “كل منتج سيُدعم سيتم تهريبه”. احتجاجات الشارع اللبناني المطالبة بمحاسبة الفاسدين احتجاجات الشارع اللبناني المطالبة بمحاسبة الفاسدين وتعتبر الزراعة اللبنانية من بين أكثر القطاعات تضررا من عمليات التهريب، لأن القائمين عليها لا يجدون أحيانا طريقا من أجل تصريفها سواء في السوق المحلية أو حتى في دول الجوار. ويؤكد محللون أن الاقتصاد اللبناني استفاد بشكل أو بآخر من الحرب السورية، تماما كما استفاد من كافة الحروب التي مرت على المنطقة حيث نزحت إليه رؤوس الأموال هربا من الحرب في بلادها، مثلما حدث في العراق والكويت. وأضافوا أن هذه الأموال بدأت بالانخفاض مع تطور الأزمة بسبب الصراع السياسي في لبنان بشأن الأزمة السورية، الذي أدى إلى هروب رؤوس الأموال لأنها لم تجد الترحيب وبسبب تدهور الوضع الأمني. ويحتضن لبنان اليوم أكثر من 1.2 مليون نازح سوري من مختلف الفئات والشرائح الاجتماعية، وبينهم الكثير من الأثرياء الذي يستثمرون أموالهم في لبنان، وقاموا بتأسيس الكثير من الشركات والمصانع. ويرى الخبراء أن العمال السوريين الذين تواجدوا بكثرة قبل الأزمة لم يكونوا يساهمون في تحريك العجلة الاقتصادية، لأنهم كانوا يعملون في لبنان بهدف إعالة عائلاتهم في سوريا، لكنهم حاليا ينفون مداخيلهم داخل لبنان.
مشاركة :