عندما نتساءل أي إنسان يملك سلطة الحكم على الآخرين لماذا كان حكمك جائزاً؟ ولماذا تؤلب الآخرين لتأييد حكمك؟ فيجيبك قائلاً: إني أطبق العدل. وإذا سألته: هل ترضى أن يطبق عليك أو على أحد أقربائك مثل هذا الحكم فسيقول لك بتسرع ودون تفكير نعم لكن هذا الرد على المستويين النظري والانفعالي، إلا أنه على مستوى الواقع فيتجرد من كل تلك النظريات ويرمي بها عرض الحائط ويتوسل ويتوسط حتى بالشيطان ويقدم المبررات الإنسانية وغير الإنسانية لئلا يتضرر من يحب. ظلم البشر للبشر عبر التاريخ الإنساني كان الدافع وراءه الشعور بنشوة الانتصار والسلطة وجنون العظمة والتسلط والعدوان وعادة ما يصدر ذلك الظلم من أناس يعانون اضطرابات متعددة في أنماط وسمات شخصياتهم نتيجة لصدمات تعرضوا لها في مرحلة من مراحل عمرهم مما حولهم إلى فئة من البشر حاقدة وعدوانية في وجود وسائل ساعدت في تنامي وظهور هذه التصرفات كالقوة المادية والسلطة والثقافية المجتمعية، على ضوء ذلك لم يتيحوا لأنفسهم الفرصة لأن يمارسوا إنسانيتهم في أن يكونوا أكثر رحمة وتسامحاً ورأفة بالآخرين. عندما يظلم الإنسان الإنسان ويقسو عليه فانه يتجرد من إنسانيته التي خلقه الله عليها فكل إنسان يخلق على الفطرة السوية وليس هناك من ولد مجرماً أو لديه نزعات الشر والعدوان والكراهية ولندرس كل حالة على انفراد من الناحية النفسية والاجتماعية والثقافية والنمائية فسنجد أن البيئة التي يعيشها الإنسان هي من شكلت سلوكه وشخصيته وهي بالمقابل شريكه في أي تفكير وتصرف. اليوم الذكاء العقلي قد يدفع من يعانون متلازمة ظلم الناس إلى تبوؤ مراكز السلطة والحكم على الآخرين لأنهم يمتازون بنمطية التفكير وتصلبه ولديهم قدرة على الحفظ والسرد والبلاغة وتنسيق الكلام وهذه لا تشكل سوى 20% من قدراتهم بينما 80% من الذكاء وهو الذكاء العاطفي يعانون ضعفا فيه وهو القدرة على الإحساس بمشاعر الآخرين وتقديرها والقدرة على العطف والتعاطف مع مشاعر الآخرين إلى جانب عدم السماح للمشاعر والأفكار السلبية وتراكمات الماضي في السيطرة على العلاقة والحكم على الآخرين، وهذا ما يجعلنا نستعيد التجارب من الذاكرة وكيف كان أولئك الأشخاص عندما يكونون في السلطة والحكم على الآخرين، كيف كانوا يظهرون الكثير من التصرفات الغاضبة والعدوانية والمتجاوزة لحقوق الآخر وكأن السلطة أو المنصب أعطاهم الأحقية والضوء الأخضر لانتهاك حقوق الناس وإيقاع أقوى وأقسى العقوبات. إن الله لو اتسم بالعدل فقط لهلك البشر فهو خالقهم وهو قادر على ذلك، لكن اتسم بالرحمة والعفو والمغفرة وهذا ما لم يستطع أولئك فهمه لأنه يعانون من تدني مستوى التفكير التجريدي واستنباط وتدبر نواميس الحياة ومن جانب آخر فان نشوة الموقع والسلطة تجعلهم ينسون التاريخ الإنساني المليء بأشخاص كانوا دكتاتوريين ومتسلطين وظالمين وضد الإنسانية والآن أصبحوا في مزبلة التاريخ وتحت التراب. المهم وفي مثل تلك الحالات والثقافات الحل الإصلاحي على المستوى الهيكلي والقانوني قد يأخذ وقتا وما نعوله الآن الجانب الإنساني والحضاري وقيم وحقوق الإنسان فمن حقنا كمجتمعات أن نستمتع بجودة الحياة ونكون أكثر سعادة وتفهم وتفاؤل.
مشاركة :