أصبح التعليم عن بُعد ضرورة حتمية فرضتها تداعيات الحاضر وتطلعات المستقبل. واستناداً إلى أرقام البنك الدولي، كان نحو 1.6مليار طالب، يُمثلون %94 من إجمالي طلاب العالم، قد توقفوا عن الذهاب إلى مدارسهم في إبريل من العام الماضي 2020م، و“ما زال حتى الآن نحو 700 مليون طالب، يدرسون من منازلهم، في أجواء يلفها عدم اليقين والضبابية". فقد أدَّت جائحة الكورونا إلى تحوُّل نموذجي في كيفية وصول المُتعلّمين من جميع الأعمار، وفي جميع أنحاء العالم، إلى التعلُّم. وبموازاة اختلاف نسب النجاح في التعليم عن بُعد باختلاف البلدان، تسعى الجهات المعنية على المستويات الوطنية والعالمية إلى تفحص هذه التجربة على ضوء ما تشهده منذ نحو سنة، لاستكشاف تحدياتها وتطويرها حيثما تستوجب التطوير. مفهومه وتاريخه وتطوُّره يُعرَّف التعليم عن بُعد بأنه مجموعة عمليات إجرائية، لنقل المعرفة إلى المُتعلِّم في موقع إقامته وعمله، بدلاً من حضوره شخصياً في المؤسسة التعليمية. ويخضع هذا النوع من التعليم للتخطيط والتوجيه والتنظيم من قِبل المؤسسات التعليمية. وإذا كان المفهوم الحديث للتعليم عن بُعد يرتبط ارتباطاً وثيقاً بما أفرزته معطيات التقنية الرقمية، من تطبيقات تعليمية تفاعلية مُتقدِّمة صارت تُمثل المحور الرئيس في تطويره وتوسيع دائرة انتشاره، إلَّا أن هذا المفهوم يعود في جذوره إلى ما هو أقدم من ذلك بكثير. ففي القرن الثامن عشر، بدأ التربوي الأمريكي كاليب فيليبس بتقديم سِلسلة أسبوعية من الدروس التعليمية عبر صحيفة "بوسطن جازيت". وفي ألمانيا، أسس مُعلم اللُغة الفرنسية شارل توسان وزميله جوستاف لانجنشدات مدرسة تعلُّم اللغات بالمراسلة في عام 1856م، وظهرت أوَّل جمعيَّة لتشجيع الدراسة في المنازل في العام 1873م. وبعد ذلك بسنة، أطلقت جامعة إلينوي الأمريكية عام 1874م أوَّل منظومة مناهج خاصة للتعليم بالمراسلة، ظهر مثيل لها في عدة دول أُخرى. في بداية عشرينيات القرن الماضي، مُنِح أوّل ترخيص لبث الدروس التعليمية عبر الراديو في بريطانيا. وفي عام 1934م بدأت جامعة ولاية آيوا الأمريكية بالبث التعليمي التلفزيوني. وفي عام 1939م تأسس المجلس الدولي للتعليم بالمُراسلة في فيكتوريا بكندا، وانطلق تطبيق مشروع Nova University التعليمي، الذي يُستَخدَم فيه لأوَّل مرة، وسائل اتصال مُتعدِّدة، مِثل (الراديو، والتلفزيون، وأدلَّة الدراسة، وأشرطة الكاسيت، وغيرها)، وذلك في عام 1964م. ثم تصاعد الاهتمام بالتعليم عن بُعد مع ظهور الإنترنت، إذ شهد عام 1985م بث أول برامج الدراسات العليا عبر الإنترنت. وفي التسعينيات صار بالإمكان استخدام الوسائط الحاسوبية وشبكة الإنترنت في التعليم ما قبل الجامعي. وفي عام 2002م، أطلق معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا، مُبادرة المُقررات التعليمية المفتوحة (MOCW)، التي تتضمَّن نحو 2,000 مُقرر مجّاني، يستفيد منها أكثر من 65 مليون طالب في 215 دولة. ومع ظهور مزيد من التطبيقات التفاعلية، تصاعد الإقبال على التعليم عند بُعد. وفي نقاط، يُمكن تصنيف التعليم عن بُعد، وفقاً للتطوُّر التاريخي والتقني، على النحو التالي: أ . مرحلة التعليم من خلال المراسلة البريدية. ب. مرحلة التعليم من خلال الراديو وغيره من الوسائل المسموعة، كأشرطة الكاست الصوتية. ت. مرحلة التعليم من خلال التلفاز وغيره من الوسائل المرئية، كأشرطة الفيديو كاست، حيث تتوافر عناصر الصوت والصورة والحركة في نقل المعلومات. ث. مرحلة الراديو التعليمي التفاعلي والتلفزيون التعليمي التفاعلي، حيث يُتاح من خلالهما التفاعل بين المُعلِّم والمُتعلِّم. ج. مرحلة التعليم من خلال التقنية الرقمية، وما استُحدِث من أجهزة الحوسبة الثابتة والمحمولة، وغيرها من أجهزة الاتصال الذكي تتيح التعليم بنمطين: أولهما التعليم المُتزامن، الذي يكون فيه الاتصال مباشراً بين المعلّم والطالب. وثانيهما التعليم غير المتزامن، وهو تعليم متحرر من الوقت، حيث يستطيع المُعلِّم وضع مصادر التعلُّم مع خطة التدريس والتقويم على المنصة التعليمية، التي يدخلها المُتعلِّم في أي وقت شاء. تصاعد التوجه العالمي نحو التعليم عن بُعد ازداد الإقبال على التعليم عن بُعد، مع إطلالة الألفية الثالثة، وصار يُعوَّل عليه باعتباره مكمّلاً رئيساً للتعليم المدرسي والأكاديمي. وشهدت الشهور القليلة الماضية، طفرة في التعليم عن بُعد نتيجة الأسباب الآتية: التقدُّم الكبير في تكنولوجيا التعليم أوجدت الثورة الصناعية الرابعة تقنيات ونُظماً تعليمية عالية الذكاء الاصطناعي، وقادرة على مواجهة التحدِّيات التي يواجهها التعليم اليوم، مع إتاحة ابتكارات مستقبلية في ممارسات التعليم والتعلُّم. وبعدما كانت الاستثمارات العالمية في تكنولوجيا التعليم عام 2019م نحو 18.7 مليار دولار، تضاعفت في العام التالي، ومن المتوقع أن يصل سوق التعليم العالمي عبر الإنترنت، إلى أكثر من 350 مليار دولار بحلول عام 2025م. وفي إطار تحقيق أقصى استفادة من التعليم عن بُعد، ظهرت تطبيقات جديدة، تعمل بتقنية إنترنت الأشياء التي يرى خبراء التعليم أنها سوف تحسِّن بشكل كبير عمليات التعليم والتعلُّم في المُستقبل. الإسهام في تجاوز تأثيرات الجائحة أثبت التعليم عن بُعد أنه الحل المثالي، الذي يُمكن الاعتماد عليه، ليس فقط من أجل استمرارية التعليم، ولكن أيضاً للحفاظ على صِحَّة الطلاب والمعلمين خلال فترات العزل الاجتماعي والحجر الصحي. وكان تقرير صادر عن البنك الدولي، تحت عنوان "تحقيق مُستقبل التعليم: من فقر التعلُّم إلى التعلُّم للجميع في كل مكان" قد أشار إلى أن إغلاق المدارس جرَّاء تفشي وباء كوفيد 19، زاد من تعميق أزمة التعليم العالمية، وزاد من ظاهرة "فقر التعليم"، التي يُعاني منها تلاميذ المرحلة الابتدائية في البلدان منخفضة ومتوسطة الدخل، من %54 إلى %63، فضلاً عن تعريض هذا الجيل من الطلاب، لخطر فقدان نحو 10 تريليونات دولار، من دخلهم المستقبلي، على مدار متوسط العمر، وهو ما يعادل نحو %10 من إجمالي الناتج المحلي العالمي. تحقيق الهدف الرابع من أهداف التنمية المُستدامة لا شك في أن الإصرار على مواصلة التعليم عن بُعد أعطى قبلة الحياة، للهدف الرابع من أهداف التنمية المستدامة 2030م، الذي ينص على"ضمان التعليم الجيد، المنصِف والشامل للجميع، وتعزيز فُرص التعلُّم مدى الحياة للجميع". فقد أعلنت اليونسكو أنها مُلتزِمة بدعم الدول الأعضاء لتسخير إمكانات تقنية الذكاء الاصطناعي، والتعليم عن بُعد، من أجل السير قُدماً نحو تحقيق أجندة الأمم المتحدة للتعلُّم 2030م، ومعالجة عدم المساواة الحالية في ما يتعلق بالحصول على المعرفة، والبحث، وتنوع أشكال التعبير الثقافي. مُتطلبات أساسية لجودته حتى يؤتي التعليم عن بُعد ثِماره، لا مناص من أن يُبنى على قواعد متينة من الإعداد والتخطيط الجيّد، التي تصل به إلى مستوى مقبول من الجودة، ومن أهم هذه القواعد: 1. صناعة مُحتوى رقمي تعليمي عالي الجودة إن المواد التعليمية القائمة على الويب، كالمكتبات الرقمية واليوتيوب والدروس المُتوافرة عبر المنصات، ليست كفيلة وحدها بتلبية أهداف المُقررات، بل قد لا تتلاءم معها في بعض الأحيان، ومن ثم يُصبح من الضروري التوجه نحو إنتاج محتوى خاص، وهذا يتطلب إلماماً كاملاً بالمادة التعليمية، ومعرفة باستراتيجيات تدريسها، وإيصالها إلى المتعلّمين على اختلاف الفروق الفردية بينهم، مع ضرورة توافر معايير واضحة من حيث المضمون، ومعايير تختص بالشكل من حيث التصميم والإخراج، وما يجب أن يتضمَّنه كل درس من صور وبيانات توضيحية وأوجه نشاط تعليمية تفاعلية ونحو ذلك. 2. التواصل والتعاون حُسن التواصل من أهم مهارات القرن الحادي والعشرين التي يجب توافرها خلال التعليم عن بُعد، كونه يتيح للمتعلم التحكُّم في وتيرة وتدفق التعلُّم وِفق احتياجاته ورغباته. وقد ظهرت في الآونة الأخيرة عدة برمجيات وتطبيقات تدعم هذه المهارات، وترفع الأداء العام للتعلُّم، بما في ذلك محو الأمية الرقمية، وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات ومهارات التدريس. 3. تحليل وتقييم النتائج وهو مقياس مهم للارتقاء بجودة التعليم عن بُعد، ويجب أن يرافق كل عملية تعليمية، لضمان دعم المُمارسات على نحو شامل، والعمل على تحسينها. وتشكل الاختبارات الإلكترونية حيّزاً بالغ الأهمية في جودة التعليم عن بُعد، كونها تسمح بتنفيذ عديد من الأفكار التفاعلية، ومنها الاختبارات عبر الوسائط المتعدِّدة، التي تتميَّز بتوفير التغذية الراجعة الفورية للإجابات الخاطئة. 4. توفير مصادر لإجراء البحوث اللازمة دائماً ما يبحث المُتعلِّم عن مزيد من الموارد والمصادر، التي تثري مخزونه التعليمي، ويُمكن أن يتحَقق ذلك من خِلال تمكينه من الملفَات التعليمية في المكتبات الرقمية، وتزويد المنصات بالروابط المُفضية إلى مواقع غنيَّة بالمواد التعليمية، ومقاطع الفيديو ذات الصِلة بمجال دراسته. 5. دمج الوسائط التعليمية التفاعلية المختلفة إن دمج التعليم المُتزامن والتعليم غير المُتزامن والبرامج التعليمية والتفاعلية عبر الإذاعة والتلفاز والهواتف الذكية يمكنه أن يحقق تفاعلاً أكبر، ويحسن دافعية التعلُّم. وكان تقرير للبنك الدولي، قد أكَّد أهمية إنشاء روابط جديدة بين المعلمين وأولياء الأمور والمجتمعات المحلية الأوسع نطاقاً، من أجل تكوين نُظم تعليمية متكاملة تتسم بالجودة. تجارب عالمية قَطعت دول عديدة أشواطـاً في توجهها نحو التعليم عن بُعد، ونجحت في ذلك من خلال ما أعدَّته من خطط آنية ومستقبلية، لجعل هذا النوع من التعليم جُزءاً رئيساً في مسار المنظومة التعليمية الشاملة، ومن ثم شجعت على زيادة الاستثمار لتوسيع قاعدة انتشاره، وتحقيق أكبر استفادة مُمكنة من التطبيقات الرقمية التعليمية التفاعلية عالية الذكاء التي تظهر تباعاً، وصار يُعوَّل عليها في تطوير التعليم. ومن أبرز التجارب العالمية، التي حققت نجاحات مُهمَّة، على صعيد التعليم عن بُعد: 1. التجربة الأمريكية وهي تجربة ثريَّة وممتدة منذ عقود خلت، وقد اتسعت دائرة انتشارها خِلال العامين الماضيين بعد أن فرضت الجائحة العُزلة الاجتماعية على العالم. وتُشير أرقام المركز الوطني لإحصاءات التعليم، إلى أنه خِلال عام 2019م، كان من بين 19.9 مليون طالب جامعي نحو 6.9 مليون، أي ما يقارب %35، مُسجَّلين في شكل من أشكال التعليم عن بُعد. ويتم التأكيد على هذه الزيادة السريعة، إذا أخذنا في الاعتبار أنه بين عامي 2003 و2004م، كان هناك %16 فقط من الطلاب الجامعيين يتعلمون عن بُعد، ووصلت نِسبة المُلتحقين بالدراسات العليا عن بُعد في عام 2019م إلى %39.8. وفي الفترة الأولى من تفشِّي الجائحة، وتحديداً في أبريل 2020م، تضرَّرت 3,278 مؤسسة تعليم عالٍ و22.3 مليون طالب. ولمعالجة ذلك، توجهت %98 من المؤسسات التعليمية إلى نقل الفصول الدراسية عبر الإنترنت. ووفقاً لإحصاءات حديثة، فإن تقسيم الفئات العمرية للطلاب المنخرطين في التعليم عبر الإنترنت، جاء على النحو التالي: • %24.5 من الطلاب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و23 سنة. • %35.5 من الطلاب الذين تتراوح أعمارهم بين 24 و29 سنة. • %41 من الطلاب كانوا في سن الثلاثين وما فوق. 2. التجربة الصينية تُعد الصين من أنجح الدول في التعليم عن بُعد، خاصة وأن خِبرتها في هذا المجال تعود إلى ستينيات القرن الماضي، عندما بدأت بتقديم البرامج التعليمية عبر الإذاعة والتلفاز، وحقَّقت قفزات غير مسبوقة على صعيد التوجه نحو التعليم عن بُعد، خلال السنوات القليلة الماضية، حيث اتسعت قاعدته، ليتجاوز عدد الطلاب المُنخرطين فيه 89.27 مليون طالب خلال عام 2020م، بزيادة قدرها %21.9 عن العام السابق. وبينما كان حجم سوق التعليم عبر الإنترنت في الصين حتى العام 2016م نحو 150.7 مليار يوان، من المتوقع أن يصل في نهاية العام الحالي إلى 241.6 مليار يوان. وبالتعاون مع وزارة الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات، أطلقت وزارة التربية بوابة التعليم لطلاب المدارس الابتدائية والثانوية في 17 من فبراير 2020م، لدعم 50 مليون طالب في وقت واحد، وفي 11 مايو، كان قد أُحصي عدد الزيارات التي استهدفت البوابة بأكثر من ملياري زيارة. 3. التجربة الكورية الجنوبية بفضل بنيتها التحتيَّة المُمتازة لشبكة الإنترنت، التي تُغطِّي عموم المناطق، تسير كوريا الجنوبية مع التعليم عن بُعد على نحو سلس. وتُشير الإحصاءات إلى أنه قبل الجائحة كان لدى %75 من الأُسر إمكانية الوصول إلى أجهزة الكمبيوتر، و%99.5 منهم لديهم اتصال فعلي بالإنترنت. ومع بداية الجائحة وإغلاق المدارس والجامعات، وضعت خطط وسياسات آنية ومُتوسِّطة الأجل، لتغيير منهجي، يواكب ما فرضته العزلة الاجتماعية، وتوجُّه أسرع نحو التعليم عن بُعد. إلا أن استطلاعاً للرأي حول معدَّلات الرِضا بين الطلاب، أظهر استياء %25 منهم من النظام الجديد، على خلفية افتقارهم للمهارات التقنية المعينة لهم للتفاعل في بيئة التعليم عن بُعد، واشتكوا من عدم وجود سياسة موحدة لهذا النوع من التعليم. تجربتان عربيتان ولم يكن العالم العربي، بمنأى عن التطوُّرات التي تحدث على صعيد التعليم عن بُعد، فقد اهتمَّت به كثير من الدول، بنِسب مُتفاوتة، وتصاعد هذا الاهتمام في أعقاب تفشي الجائحة. ومن أهم التجارب العربية في هذا المجال التجربة السعودية والتجربة المصرية. 1. التجربة السعودية اهتمَّت المملكة بهذا النوع من التعليم مُنذ ما قبل الجائحة ، حين كان يُنظَر إليه باعتباره أحد التوجهات لتطوير التعليم في إطار رؤية 2030 الهادفة إلى مواكبة تحوُّلات الثورة الصناعية الرابعة وما استُحدِث من تطبيقات الذكاء الاصطناعي التي استفاد منها المعلِّم والطالب. فقد أنشأت المملكة بنية تحتية قوية للإنترنت، استفاد منها بشكل كبير قطاع التعليم. وقد ظهر ذلك جلياً بعد إغلاق المدارس، والدخول في فترات العزل الاجتماعي. وبفضل تكاتف الجهود بين هيئات ووزارات عديدة في المملكة، وعلى رأسها وزارة التعليم، تم إنشاء وتحديث منصات تعليمية تقدِّم خدماتها المجانية لعموم الطلاب في المملكة، وأثبتت جدارتها في استمرارية التعليم وعدم انقطاعه، وفي الوقت نفسه الحفاظ على صحة وسلامة الطلاب. وبحسب تقارير عالمية، صادرة عن الاتحاد العالمي للتعليم الإلكتروني والجمعية الدولية لتقنيات التعليم واليونسكو ومنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، فإن من أهم سمات وخصائص التجربة السعودية في التعليم عن بُعد هو التنوُّع في الخيارات المُتاحة، حيث المُحتوى الرقمي الثري، والقنوات الفضائية للتعليم العام. ومن أهم المنصات، التي أطلقتها المملكة ، بهدف تيسير التعليم عن بُعد، لعموم أبنائها الطلاب: • نظام التعليم الموحَّد: أحد الأنظمة الإلكترونية الحديثة، التي تعمل على تقديم بيئة مختلفة للطلاب تساعدهم على تنمية مهاراتهم، وتكون في الوقت نفسه مكملة للحصص سواء في داخل المدرسة أو في خارجها، وتستهدف تلك المنظومة كافة المنسوبين إلى النظام التعليمي سواء كانوا طلاباً أو أولياء أمور، وقد تمَّ دمج هذه المنظومة مع منصة مدرستي. • منصة مدرستي: التي تتضمَّن حزماً واسعة من الأدوات التعليمية المساندة لتخطيط وتنفيذ العملية التعليمية عبر الفصول الافتراضية، إضافة إلى الواجبات والاختبارات وساحات النقاش والاستبيانات، والوسائط التعليمية المتنوِّعة، التي يعمل كثير منها في إطار تقنية الواقع المعزَّز. • بوابة المستقبل: برنامج تم إطلاقه عام 2017 من قبل الوزارة للتحوُّل نحو التعليم الإلكتروني وذلك في ضوء رؤية 2030، حيث اتخذت من محوري العملية التعليمية وهما المعلِّم والطالب نواة أساسية للمشروع وذلك لخلق بيئة تعليمية جديدة تعتمد على التعليم التقني في إيصال المعارف للطلبة، ويمكن استخدام التطبيق الخاص بأجهزة الهواتف الذكية. • بوابة التعليم الوطنية (عين): تم افتتاحها في عام 2015م، لتبث الدروس من خلال 12 قناة فضائية تعليمية، ونشطت خلال جائحة كورونا قناة (عين) على اليوتيوب لتصبح بوابة التعليم الأولى في المملكة وتقدِّم خدماتها لعموم الطلاب والمعلِّمين وأولياء الأمور. • تطبيق الروضة الافتراضية: الذي أطلقته وزارة التعليم لتمكين جميع الأطفال من الحصول على المهارات والمفاهيم التربوية، وِفق معايير التنمية المستدامة للتعليم الحديث في المملكة. • إطلاق عديد من المنصات التعليمية، لمُستوى التعليم الجامعي، والتي تحتوي على مليون و421 ألف مُحتوى تعليمي رقمي، يشمل المُقررات الدراسية والمصادر التعليمية، التي تأتي في صور وسائط مُتعدِّدة (مرئية – مسموعة – مقروءة). 2. التجربة المصرية بدأت قبل سنوات من ظهور الجائحة، واستُخدِمت على مستوى التعليم الثانوي، حيث أُجرِيت الامتحانات من خلال الجهاز اللوحي (التابلت)، بعدما وزّعت وزارة التربية والتعليم نحو مليوني جهاز على طلاب المرحلة الثانوية والمعلمين، وربط المناهج الدراسية ببنك المعرفة المصري. ومع تفشي الجائحة، توسعت قاعدة التعليم عن بُعد، لتشمل المرحلتين الابتدائية والإعدادية. وفي إطار خططها المستقبلية لتطوير التعليم، في ظل تداعيات الحاضر، وطموحات المُستقبل، أطلقت مصر"مشروع الإنترنت التعليمي الآمن"، الذي يوفِّر لاب توب وتابلت، لطلاب الصفوف من الرابع الابتدائي وحتى الثالث الإعدادي، مع ربط المدارس بشبكات الإنترنت. وفي أوائل فبراير 2021م، أعلنت وزارة التربية والتعليم عن خطة خمسيَّة لتنفيذ مشروعها. جدير بالإشارة أن التعليم عن بُعد في مصر، ينشط حالياً من خلال عدة منصات عبر شبكة الإنترنت، إضافة إلى القنوات التعليمية. تحدِّيات يجب مواجهتها الطريق نحو التعليم عن بُعد ليس مفروشاً بالورود، أو مُيسَّراً لتحقيق آمال وطموحات كافة الدول، خاصة الفقيرة تقنياً واقتصادياً، التي ضاعف الوباء من آلامها في مجال التعليم. فقد جاء في تقرير لليونيسيف صدر في ديسمبر 2020م، أن نحو ثُلثي أطفال العالم، من الفئة العمرية التي تتراوح بين 3 و7 سنوات ما زالوا محرومين من خدمة الربط بالإنترنت في المنزل، وأن نحو %58 ممن هم في سِن الدراسة، وينتمون إلى أُسر غنية، أو ميسورة الحال، لديهم الإمكانية للوصول إلى الإنترنت من المنزل، مقارنة بــ %16 في الأُسر الفقيرة. وهذا التفاوت لا يسري فقط على الأُسر، وإنما أيضاً على البلدان التي تتباين فيها مستويات الدَخل بشكل كبير. إذ يتوافر الربط بالإنترنت المنزلي لأقل من 1 من بين كُل 20 طفلاً في سِن الدراسة في البلدان منخفضة الدَخل، مُقارنة بـ 9 من كل 10 أطفال في البلدان المرتفعة الدخل. كما أشار إلى ذلك أيضاً تقرير صادر عن اليونسكو، مُضيفاً أن "مُعظم أطفال المدارس الذين حُرموا من مواصلة تعليمهم عن بُعد كانوا من جنوب آسيا وإفريقيا جنوب الصحراء، إذ لا يملك 9 من كل 10 منهم ربطاً موثوقاً بالإنترنت. ويقول هولين جاو الأمين العام للاتحاد الدولي للاتصالات إن ربط سُكَّان المناطق الريفية بالإنترنت يظل تحدياً كبيراً، إذ ما زالت أجزاء كبيرة من هذه المناطق غير مغطَّاة بشبكات الاتصال الخلوي ذات النطاق العريض، والذين نجحوا في الحصول على تعليم عن بُعد أثناء ذروة إغلاق المدارس حول العالم، لم يتجاوزوا %35 من طلاب مدارس التعليم الأساسي. وليس التفاوت الكبير في توفير الإنترنت، هو التحدي الأوحد، إذ يُضاف إليه أن نسبة كبيرة من المتعلِّمين، خاصة في البلدان النامية، ما زالوا بحاجة إلى تعليم مهارات أساسية تتعلَّق بالرقمنة، والتعامل مع أدوات التعليم عن بُعد، لتحقيق الاستفادة المرجوة منه. كما أن كثيراً منهم ينظُرون بريبة إلى جدوى هذا التعليم، ويعدّون التعليم وجهاً لوجه هو التعليم الأفضل لهم، ويُشاركهم في ذلك أولياء أمورهم. كما أن طائفة كبيرة من المُعلِّمين حول العالم لم يكونوا جاهزين لخوض تجربة التعليم عن بُعد، وقد جاءت الجائحة لتزيد من ارتباكهم، لقِلَّة خبرتهم في التعامل مع التقنيات التي تسمح بإدارة عملية التعليم عن بُعد، أو صناعة مُحتوى تعليمي ملائم. وتبيَّن في كثير من الحالات أن الضغط المُتزامن على شبكات الإنترنت، من عدد كبير جداً من المُعلِّمين والمُتعلِّمين وأولياء الأمور في وقت واحد، قد يُحدِث إشكاليات تتعلَّق بإمكانات الوصول إلى الفصول والصفوف الافتراضية، في ما يُسميه طلاب بعض الدول، التي ما زال لديها قصور في شبكاتها، وبنيتها التحتية الرقمية، بـ "ظاهرة سقوط السيستم". آفاق المستقبل ما بين الفُرص والتحديات، يمضي قطار التعليم عن بُعد سريعاً، ليدفع بقوَّة نحو نُظم تعليمية جديدة، تستفيد من معطيات تقنيات العصر. وإذا كان للجائحة تداعيات ومساوئ طالت كافة مجالات الحياة، بما فيها المجال التعليمي، الذي تضرَّر كثيراً بسببها، فإنها كانت دافعاً رئيساً لكثير من الدول كي تعيد النظر في منظوماتها التعليمية، والوقوف على أوجه القصور فيها، والعمل على تطويرها، بما يواكب آمال وتطلُّعات شعوبها. ويبدو أن المستقبل المنظور، يحمل في جعبته مزيداً من الانفتاح الدولي على نظم التعليم عن بُعد، سواء النظم المُتزامنة، أو غير المتزامنة، وما يظهر من تطبيقات وأدوات تعليمية رقمية يؤكِّد ذلك.. لقد كان التوجُّه نحو التعليم عن بُعد، مطلباً استراتيجياً لكثير من الدول حتى قبل تفشي الجائحة، وبعد أن أثبت أنه الحل الأمثل، الذي يُمكن الاعتماد عليه وقت الشدائد والأزمات، بدأت دول كثيرة ممن فاتها قطار التعليم عن بُعد، بوضع خطط واستراتيجيات للحاق بركب التقدُّم التعليمي، الذي صار يُعوِّل على الجانب التقني بشكل كبير. واعتمد البنك الدولي وغيره من الجهات الدولية المانحة مؤخراً مساعدات عاجلة للدول الأشد احتياجاً، من أجل تطوير تعليمها، والاستفادة من تجارب الدول الرائدة، والسعي لتحقيق الهدف الرابع، من أهداف التنمية المُستدامة 2030م. التحالف الدولي للتعليم عن بُعد هو تحالف أُممي، دعت إلى تشكيله منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة (يونسكو)عقب ظهور جائحة كوفيد19-. انضم إلى عضويته عدد كبير من الهيئات الدولية ومُنظَّمات المجتمع المدني ذات الصِلة بتطوير التعليم، إضافة إلى القطاع الخاص والجهات المانحة. وضع التحالف مجموعة من الأهداف والأولويات، التي يسعى إلى تحقيقها على أرض الواقع، منها: • الدعم السريع لمواجهة إغلاق المدارس وتعطُّل المؤسسات التعليمية عن تقديم الخدمات التعليمية التقليدية في جميع أنحاء العالم. • مساعدة الدول في توسيع نطاق أفضل لحلول التعليم عن بُعد، وتمكين الأطفال والشباب الأكثر عُرضة لخطر الحرمان من التعليم من الوصول الموثوق والآمن، مع توظيف أحدث ممارسات التعليم الرقمي، والمهارات الحيوية المطلوبة في سوق العمل حاضراً ومُستقبلاً، ودعم سد فجوة المهارات، بما يوفِّر فُرصــاً تعليمية متساوية للطلاب حول العالم بغض النظر عن ظروفهم الاقتصادية والاجتماعية. • ألَّا يقتصر العمل المُنسَّق والمُبتكر لإيجاد حلول داعمة للمعلمين والمتعلمين وأولياء الأمور على وقت الجائحة، بل يستمر طوال فترة التعافي. • تيسير عودة الطلاب إلى مدارسهم، مع الحفاظ على أمنهم وسلامتهم، عند إعادة فتح المدارس. وعلى الرغم من حداثة إنشاء هذا التحالف العالمي، إلاَّ أن فعالياته على أرض الواقع بدأت سريعــاً، وبشكل منظَّم، وأطلق بعض مشاريعه التي تركزت على تأسيس منظومات تعليمية مرنة قائمة على التطبيق العملي والمشروعات الاختبارية، التي تلبي الاحتياجات التعليمية المتفاوتة لطلاب العالم. التعليم عن بُعد في 2019م • عدد المتعلمين على منصات التعليم المفتوح في العالم، يتخطى 110 ملايين مُتعلم. • %72 من المنظمات تعتقد أن التعليم والتدريب الإلكتروني، يمنح المتعلمين ميزات تنافسية. • بلغ نمو حجم سوق التعليم الإلكتروني نسبة %900 عما كان عليه في عام 2000م. التلاميذ الأكثر حرماناً من التعليم عن بُعد، عند بدء الجائحة في موجتها الأولى • 67 مليون تلميذ في شرق إفريقيا، وجنوبها • 54 مليوناً في غرب إفريقيا، ووسطها • 80 مليوناً في منطقة المحيط الهادئ، وشرق آسيا • 37 مليوناً في الشرق الأوسط، وشمال إفريقيا • 147 مليوناً في جنوب آسيا• 25 مليوناً في أوروبا الشرقية وآسيا الوسطى
مشاركة :