ما حدث بالأمس القريب من انتصار عظيم سيدونه تاريخ تونس والمنطقة بماء من الذهب حينما دَقّ الرئيس التونسي قيس سعيد آخر مسمار في نعش الإخوان ذكّرني قبل بضعة أعوام في 2013م حينما ثار الإسلاميون بتونس بعد أن وُصِف ما حدث في تونس إبان ثورات الربيع العربي بأنها ثورة الياسمين، ولكنها بلا عناقيد، وكانوا يتساءلون أين هو الياسمين؟ أين هو الربيع؟ ياله من جفاف كبير وما الوهم إلا اعتبار هذه الثورات مفيدة، بل هي حروب أهلية لا تجر إلا الكوارث والدروشة السياسية ووصول المتطرفين القتلة إلى سدة الحكم ووجّه كثير من المثقفين التونسيين نقدهم كانوا يعرفون أن وصول حركة النهضة إلى الحكم كان بداية الانهيار لتونس. الأصولية التي كانت تنخر بجسد تونس والكارثة أن لا أحد يستطيع مقارعتهم لأنهم يستخدمون العنف فالإخوان لديهم ترسانة من الاغتيالات منذ قائدهم حسن البنا الذي شرّع الاغتيالات كما ذكرت في مقالات سابقة عديدة. الإخوان لديهم تنظيم سري يقتلون بالخفاء أو يسهّلون القتل، صحيح أنهم ليسوا بوضوح تنظيم القاعدة لكنهم أخبث منه في المكر والخبث والتآمر وما الذي جرى بتونس ومصر إبان وصولهم للحكم فيها إلا علامة على أيديولوجية سوداء، الإخوان أكبر جرثومة عرفها التاريخ الإسلامي ولم يكونوا سوى أنهم يبثون سمومهم في العروش السياسية التي حصلوا على سدتها بعد الربيع العربي الزائف. وما أن أصدر الرئيس التونسي قيس سعيد قراراته التاريخية والإصلاحية إلا وسرعان ما تحركت جماعة الإخوان الإرهابية كعادتها للتحريض وتزامناً مع الهجوم الإخواني على قرارات الرئيس وإرادة الشعب التونسي الذي رحب بالقرارات أفتى ما يسمى باتحاد علماء المسلمين واجهة الإخوان السياسية وشنّ هجوماً عنيفاً واصفاً بأن قرارات الرئيس التونسي "لا تجوز شرعاً ولا أخلاقاً"! أكبر إشكالية لم تدركها الجماعات الإرهابية عدم استطاعتها إقناع الكثير في تفسير توجهاتها فكثير منها اعتقد أنه سيخدع العقول بمجرد زعمه اشتراكه مع الجميع كمسلمين ومن يعادونهم كفار خارج الملة؛ ولكن النتيجة التي حصلنا عليها خلال أكثر من سبعة عقود مضت من ظهور مصطلح المشروع الإسلامي، هي انفعال المشروع الإسلامي في كل مرة يحاول استعادة نشاطه بعد موجة أو صفعة محلية أو دولية. هناك فرضية تغيب على ما يبدو عن جماعة الإخوان الإرهابية فتلبس التوجه الإسلامي سياسياً في أي مجتمع عربي أو إسلامي لا يعني الإيمان به بل يعني دورة سياسية تمر كفصل مناخي محدد الزمن، والتنبؤ الذي يطرحه دعاة وأدوات الإسلام السياسي عموماً من بعد أحداث سبتمبر ساهم في تسارع وتيرة الانفعال المؤدلج لديها نظراً لتأخر الدورة السياسية عليها؛ فمفاهيم الفصول السياسية في تغير والنموذج المطلوب ظهوره على الساحة له معايير مختلفة لم يدركها أرباب المشروع الإسلامي. كتب «لورانس رايت» في كتابه الجميل والخلاّب: «البروج المشيّدة - القاعدة والطريق إلى 11 سبتمبر» قصة من أجمل القصص التي ترصد ظروف ولادة تنظيم القاعدة، مستنداً على تتبع خيوط رموز الجماعات الإسلامية وتكويناتهم المختلفة والمشترَكات بينهم، وكانت قراءته لابن لادن، والترابي، وسيد قطب هي أكثر ما لفت نظري في هذا الكتاب. يعيد الكتاب القارئ إلى المفاهيم التي أخذت جزافاً على أنها من الأبجديات التي لا تقبل النقاش، فأصحاب المشروع الإسلامي يسيرون في اتجاه معاكس للتاريخ والدليل هذا السؤال: ما المشروع الإسلامي المثال الذي يريدون تطبيقه على مر التاريخ..؟! كل ما هنالك مشروعات سياسية وليس أكثر!؛ حيث ولد الإسلام السياسي على قارعة الطريق والتقطه بعض السيّارة من الجماعات الإرهابية. وأكبر الدلائل على وجود حماية لمفاهيم سلطوية من قبل تلك الجماعات هو شعار جماعة الإخوان الإرهابية المعروف: «الإسلام هو الحل»!، ولكن أي إسلام وأي مشروع هو الحل، السني أم الشيعي؟ خلافة البغدادي أم إمارة الجولاني؟! لذلك فهذا المفهوم مخادع مثله مثل مفهوم الحاكمية، ذلك أن جميع العالم الإسلامي ينتمون إلى الإسلام بحسب الفهم والتأويل الذي ينتمون إليه والاجتهاد الذي يختطّونه. إنّ المشروع الإسلامي أصبح جُزراً مشتتة في مسار التاريخ بينما كان محمد عليه الصلاة والسلام يأتي بالتوحيد لخالق الكون وحده، الإسلام ليس مشروعاً بل هو عقيدة متاحة للجميع لا تفرض سوى العبادات والمعاملات وليس التوجهات السياسية. اللعب بالأفكار لتحقيق المآرب السياسية جعل ادعاءات المشروع الإسلامي والإخوان بلا مصداقية خلال العقود الماضية وهذا يتنافى مع الدين الإسلامي الصادق المنزّه عن النقص لأنه من خالق الكون أما تسييس الإسلام وجعله مشروعاً فهذه مهمة خطيرة تلعب فيها أهواء البشر وحدهم.
مشاركة :