جاءت خطوة تكوين (هيئة توليد الوظائف) ومكافحة البطالة في الاقتصاد السعودي في الاتجاه الصحيح وتستحق الاشادة والتنويه. لكن للبطالة صلة بمحركات اقتصادية وسياسات يفترض البعض في صحتها على نحو ما أشار جون مينارد كينز بأن الصعوبة ليس في إقناع شخص بما هو صحيح بل في تغيير ما هو خطأ في افتراضاته ولهذا توجد معلومات خاطئة اليوم لدى بعض أهل الاقتصاد في المملكة وخارجها تحتاج لتصويب ومن ذلك أدبيات ما كون على أيام ميلتون فريدمان ومدرسة شيكاغو أو ما يسمى (نايرو) التي ببساطة تفترض أن انخفاض معدل البطالة في الاقتصاد تحت نسبة معينة سيضاعف من معدل التضخم الضار وهناك أسطورة أخرى مقابلة وتسمى (لون آبل فند) وهذه تفترض أن المصارف تسلف من الايداعات باعتبارها كتلة محدودة داخل الاقتصاد ولكن متى رفع القطاع العام من وتيرة الانفاق لتكوين الوظائف فإن خطوته ستخلق وضعاً وظيفياً واستثماريا يضر بأداء الاقتصاد ككل ،ومن يتأمل في كلا الافتراضين سيجد أن ليس لهما نصيب من الصحة ولا تعدو هذه الاساطير أن تكون أيدلوجيات لا يمكن إثباتها علميا ولكنها للمفارقة منحوتة في عقول كثيرين مما لا يمكن معه تحقيق نجاح في أي خطوة اقتصادية طالما لم يتم تغيير تلك العقول وافتراضاتها الأيدلوجية إذ تشهد على تهافت تلك الافتراضات ممارسات مصارف كبرى مثل بنك إنجلترا والمركزي الأوربي وصندوق النقد والفيدرالي الأمريكي فقد ثبت أن المصارف عندما تقرض تكون ائتماناً مالياً جديداً وتلقائيا ترفع من كتلة المال في الاقتصاد مما يعني أنها ليست مقيدة بالاحتياطات إذ أنه باستطاعتها دائما الاستلاف من البنك المركزي وفق سعر الفائدة السائد بين المصارف المرخص لها مضافا إليها الأرباح المصرفية وهذه المعلومة توضح أنه لا يوجد قيد تمويلي مربوط بحجم الايداعات وإنما بحاجة الاقتصاد لمنتجات وخدمات ومن خلالها يندفع القطاع الخاص لتمويل استثمارات بتلك الأنشطة عبر المصارف الخاصة ورفع الطلب الكلي بتصويب السوق وتصحيح الخلل في السياسات ،فمتى تباطأ الاقتصاد فإن رد فعل القطاع العام رفع الوتيرة وعندما يرتفع يرد بخفض الانفاق حتى الوصول للتوظيف الكامل وأقصد بالتوظيف الكامل توفير وظيفة لكل قادر وراغب بالعمل وبأجر يحفظ الكرامة والعيش اللائق. وكان معهد بن زقر للتنمية والازدهارقد قدم ورقة عن الاقتصاد السعودي وبرنامج التوظيف الكامل واقترح تبني القطاع العام لبرنامج يولد وظائف حول المملكة تلبي حاجة المجتمع وتناسب طبيعته لأن التكلفة الاجتماعية الاقتصادية قلما أخذت في الاعتبار حين وضع برامج التوظيف المحلي بينما تكلفة البطالة عالية لأنها تقود للجريمة والإدمان والتشرد والانحرافات السلوكية مما يستلزم وضع تكاليف هذه الظواهر على الاقتصاد ضمن قرار الانفاق العام فإن أخذت في الاعتبار سنجد أن تكلفة البطالة تتراوح ما بين 12-15% من الناتج المحلي القومي للمملكة بينما خلق وظائف لا يكلف أكثر من 3% - 5% من الناتج المحلي القومي. إن وجود هيئة تتمتع بالشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي والإداري وترتبط بسمو ولي ولي العهد سيعزز من توحيد الاجتهادات الحكومية في توليد وظائف ستوفر العيش الكريم للمواطن وتسهم في تلبية حاجات سوق العمل من الأيدي العاملة.
مشاركة :