قبل عام تقريبا نشر موقع "فوكس" 40 خريطة تركز على واقع الشرق الأوسط وماضيه، والتحولات التي مر بها على مدى مائة عام. في إحدى هذه الخرائط رسوم توضيحية دقيقة تفسر كيف أعاد الصراع المذهبي الجديد منذ عام 2003 تشكيل العراق وسورية، وفقا للتكتلات المذهبية القديمة قبل قرن من الزمان. الأحداث طرحت على الطاولة اتفاقية سايكس – بيكو من جديد، مع فكرة خجولة حول استبدال الحدود التي فرضتها القوى الأوروبية، بحدود جديدة على طول امتداد الانقسام الديني بين سنة وشيعة في هذين البلدين، ذرا للرماد في العيون. أهم ما في هذه الخريطة – الوثيقة أنها لم تضع الوقت في مزيد من التكهنات والافتراضات المتخيلة لمستقبل الشرق الأوسط، لأنها تشير إلى أن العراقيين والسوريين يعيدون رسم حدودهم بأنفسهم، لاسيما أن الحكومة العراقية ذات الأغلبية الشيعية تسيطر على شرق البلاد، كما أن مجموعات من السنة تسيطر على غرب العراق وشرق سورية، بينما يسيطر الشيعة على الحكومة السورية، وبقية الأقليات السورية في غرب البلاد، أما الأكراد فهم مستقلون من الناحية القانونية في العراق، لكنهم جزء من نسيج المجتمع السوري. إرث ممتد المفعول السياسي الأوربي، فيشر، لم ينكر أن الجغرافيا السياسية للشرق الأوسط صنعت في مطابخ العواصم الغربية، خاصة لندن وباريس، وهي تعاود الكرة اليوم على نفس اتفاقية سايكس – بيكو، مما يوحي بأن المنطقة مقبلة على خرائط جديدة، كما يؤكد المؤرخ الفرنسي، ديمتري كاسالي، في كتابه الجديد "الإمبراطورية الاستعمارية الفرنسية". اللافت للنظر أن الرئيس الفرنسي الأسبق فاليري جيسكار ديستان، أطلق تصريحا مثيرا في سبتمبر الماضي، قال فيه "أتساءل عن إمكانية إنشاء انتداب من الأمم المتحدة على سورية، مدته خمس سنوات"، وسط دهشة المتابعين للشأن الدولي، خاصة وأن الأمم المتحدة لم تمنح أبدا انتدابا، بل إنه لم يتحدث رئيس فرنسي سابق بهذه الصراحة علنا عن طموح فرنسا الاستعماري منذ استقلال الجزائر قبل 53 عاما، كما قال تييري ميسان على موقع "فولتير" قبل أيام، حيث أشار إلى أن ديستان، وهو قريب فرانسوا جورج بيكو "صاحب اتفاقيات سايكس- بيكو"، فضلا عن أن الرئيس الأسبق كان يتحدث واثقا، وفقا لاتفاقيات وقعت بالفعل في العام 2010 بين فرنسا وبريطانيا، وقبل ما يعرف بـ "ثورات الربيع العربي" في العام 2011 بأشهر قليلة، من بين ملاحقها السرية الهجوم العسكري على ليبيا وسورية في 21 مارس 2011. رسم جديد في الثاني من نوفمبر عام 2010 – حسب ميسان – وقعت فرنسا وبريطانيا اتفاقيات "لانكستر- هاوس" الرسم الجديد لاتفاقية "سايكس – بيكو" في ليبيا، بدأت فرنسا بالهجوم قبل يومين من الموعد المحدد، دون علم بريطانيا التي عبرت عن غضبها واستيائها، وفي يوليو عام 2011 أنشأت فرنسا "الجيش السوري الحر"، وحسب ما أعلنه مؤخرا الرئيس ديستان، لا بد من إعادة استعمار البلاد من جديد بعد مائة عام. تدخل روسيا بسورية يعيد المخططات تؤكد التقارير أن دخول روسيا على الخط بهذه الكثافة العسكرية في سورية، ضرب اتفاقيات "لانكستر – هاوس" وملاحقها السرية عام 2010 في مقتل، وغير بالتالي مسارات الشرق الأوسط وفقا لمخططات "سايكس – بيكو" المتجددة. ويشير ميسان إلى أن التفاهمات الروسية – الأميركية حول سورية، التي ظهرت على السطح الآن، بدأت في قمة مجموعة الثماني في أيرلندا الشمالية منتصف عام 2013، والتي أبقت على نظام بشار الأسد حتى اليوم، على غير رغبة فرنسا وبريطانيا، اللتين حاولتا بكل قوة عزل روسيا عن الأزمة السورية منذ البداية، وفشلتا معا في إقناع الرئيس الأميركي أوباما في إزاحة الأسد، بعد استخدامه السلاح الكيماوي ضد شعبه، على غرار ما حدث في الإجماع والتحالف الدولي حول استخدام ذريعة "أسلحة الدمار الشامل" ضد صدام حسين عام 2003، لاسيما بعد أن دعمت ألمانيا في قمة الثماني 2013 موقف الرئيس الروسي، وشكوكه حول ذلك الأمر أمام الولايات المتحدة. لم يستطع الفرنسيون والبريطانيون حشر روسيا في الزاوية، نتيجة لمهارة بوتين في الإقناع، مدعوما من الشريك الألماني والصيني، ثم الأميركي لاحقا، فقد عكست قمة الثماني عام 2013 التعارض الجيوسياسي داخل الدول الأوروبية وبينها وبين الولايات المتحدة وروسيا، مما شكل نقطة تحول أساسية في مسارات المنطقة التي أصبحت تتشكل وفقا لمخططات أخرى تماما.
مشاركة :