الإنسان بطبيعته كائن مفكر ، يُعمل العقل في كل ما يقوم به ، وهو تكريم اختصه به رب العباد وميز به كل بني البشر. وفي هذا الإطار ، من حق أي إنسان أن يعتقد ويفكر كما يشاء ، لكن الأهم هو : متى تصبح العقيدة خطرا على الإنسان نفسه أولا وعلى المحيطين به ثانيا ؟ وللتوضيح فإننا نعني هنا ، أي عقيدة سواء كانت دينية أو سياسية أو فكرية أو غيرها ، خاصة حين نضع في الاعتبار ، المفهوم اللغوي للعقيدة وهي «الحكم الذي لا يقبل الشكّ فيه لدى مُعتَقِدِه « وبعبارة أخرى : ما عَقَد الإنسان عليه قلبه جازما به ، سواء كان حقا أو باطلا ، وهي بذلك تختلف عن الفكر في تميزها بالرسوخ والثبات . وإذا كان للمفكر أن يعدل أفكاره متى شاء ، إلا أنه يتعذر عليه المساس بعقائده. وفي قناعتنا أن التحدي الرئيسي في مواجهة العقيدة حين تتخطى الوسطية وتصل إلى مرحلة الغلو لتتحول من عقيدة إنسانية راقية إلى أنانية تجعل صاحبها على قناعة بأنه الصواب والآخرون على خطأ . توهمه بأنه الوحيد الذي بيده الحل فيما غيره يجهل الطريق. وإذا كان الأمر كذلك ، فإن من يرصد الوضع المتردي الذي تمر به أمتنا العربية والإسلامية وحالة الشتات التي تعيشها ، يدرك بما لا يدع مجالا للشك أن هناك مرضا في العقيدة. مثل أي مرض يبدأ أولا في منطقة محدودة ، ثم سرعان ما ينتشر ويتحول إلى وباء واسع . والشواهد كثيرة ومتنوعة فهناك أعمال التخريب والإرهاب التي ينطلق أصحابها من فكر تحريضي مرضي. وهناك الانحراف الفكري المبني على عقيدة غير سوية. لذلك يجب أن يكون هناك تشخيص دقيق لهذا المرض وتحديد لأسبابه والطريق الأنسب للعلاج . وبالتزامن مع ذلك اتخاذ كافة الإجراءات الوقائية للحد من انتشار هذا الوباء ، على أن نضع في المقام الأول الاهتمام بفئة الشباب والتي تعد العمود الفقري لأي مجتمع والفئة الرئيسية المستهدفة في هذا المجال. وأي حل أو تحرك سواء كان على مستوى سياسي أو اجتماعي أو فكري ، يغفل هذه الفئة ، لن يحقق الهدف المنشود . ونحن حين نتحدث عن العلاج المبني على تشخيص صحيح ودقيق ، نعني الحل الجذري وليس المسكنات ، حلا طويل الأمد يشكل البداية السليمة لمجتمع متحضر ، سواء كان ذلك على مستوى محلي أو إقليمي أو دولي. فالمرض الحقيقي في الانحراف الفكري ، وما لم يفكر الإنسان بطريقة بناءة ومنهجية سليمة تقوده إلى حياة طبيعية نقية ، يكون حينئذ قد ضل الطريق. ولذلك يقول الفيلسوف والمؤرخ البريطاني برتراند راسل «معظم النّاس يفضّلون الموت على التفكير».
مشاركة :