من صديقك؟ بل من صديقك الحقيقي؟ هل تراجعت الصداقة الحقيقية في حياتنا ؟ ولا أقول تقلصت وذهبت أدراج الرياح .. هل يكفي أن تبعث لما تعتبره صديقك برسالة هاتفية «تهنئة ، عزاء ...» بذات الصيغة التي تبثها للمئات من معارفك وزملائك في العمل مثلا؟ رغم أنك تدرك ، أنك لو حادثته هاتفيا ، بمكالمة لا تتجاوز الدقيقتين ، سيكون لذلك فعل السحر في علاقة الصداقة التي تجمعكما. هل صرنا نتساهل في كثير من أمور حياتنا ، ولا نعرف قيمتها ، إلا عندما نحتاج لها؟ ولما نشعر بفقدها ، ينتابنا الحزن والأنين ..باختصار :لماذا نستيقظ دائما متأخرين؟ يجب أن ندرك أن الحياة التي نعيشها، كنز ، تزداد قيمته ، بحجم صداقاتنا الحقيقية ومحبتنا للآخرين وتفاعلهم معنا. ولذلك فإن التحدي يكون بتغذية هذه الصداقة وعدم وتركها حتى تصل لمرحلة الوفاة . ما نتحدث عنه هو صداقة لا تقوم على مصالح آنية . فالصديق الحقيقي من تتكيء عليه في لحظات الفرح والحزن ...من تتعامل معه ويتعامل معك بكل ثقة ...من يشعر بك دون أن تتحدث .. من لا يقف عند زلة أو خطأ منك ...ليس صديق المرح أو المصلحة ، بل صديق في كل الظروف ... من لو أخطأت ، يتناسى خطأك ، ولا يقف معك عند ظرف بعينه. صحيح أن الانشغالات وسرعة إيقاع الحياة والبحث عن مجالات جديدة والعمل في ظروف مغايرة ، قد يجعلك تصادق آخرين من الوسط الجديد ، إلا أن هذه الصداقات الجديدة ، لا يجب أن تفقدك أصدقاءك القدامى الحقيقيين ، والذين يجمعك بهم اتصال فكري وعاطفي . ولذلك فإننا وفي هذا الشهر الفضيل ، ندعو إلى أن يبادر كل منا باستذكار أصدقائه الحقيقيين والتواصل معهم ، لأنك ستشعر بالسعادة حين تتواصل مع أخ ، لم تلده أمك. فلا تجعلوا صداقاتكم تذبل ، ولا تجعلوا الأنانية وحب الذات ، تتغلب عليكم . وتأملوا مقولة الإمام الشافعي «سَــــلامٌ عَلى الدُنـــيا إِذا لَـم يَكن بِـها صَـديقٌ صَدوقٌ صادِقُ الوَعدِ مُنصِفا» لأن الإنسان ، كائن اجتماعي بطبعه ، لا يمكن أن يعيش بمفرده في هذا العالم. وحياته قائمة على تبادل المشاعر والمشورة والرأي مع المحيطين به ، ومن بينهم الأقرب إليه عاطفة وفكرا. وكلما مر الزمن على الصداقة الحقيقية ، وتمكنت من الصمود أمام كثير من العواصف ، زادت قوتها ومناعتها أمام كافة محاولات الاختراق. لذلك كان الكاتب الأمريكي الشهير أوليفر هولمز ، محقا ، حين أعطى للصداقة ، قيمتها الحقيقية وأعلى من شأنها بالقول «الصداقة ، جبل شاهق لايتسلقه إلا الأوفياء». وأقولها بكل وضوح: الصداقة الحقيقية مثل النبتة ، تنمو بالتواصل وتزدهر بالصدق والصراحة ولا تعترف بمقاييس الزمان والمكان ، لأنها بطبيعتها عابرة للقارات والسنوات وساكنة في القلوب.
مشاركة :