«أدب الخيال العلمي» الأقدر على التعبير عن الهم الإنساني في الزمن الرقمي

  • 8/24/2021
  • 00:16
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

أكد الكاتب أشرف فقيه أن أدب الخيال العلمي لم يكن يحظى بالاهتمام الكافي بين القراء في المملكة، لكنه انتشر عبر الدراما التلفزيونية عالية الإنتاج، فأصبح له متابعوه غير محبي الخيال العلمي المكتوب، فهناك متلقون شباب متفهمون عقد الخيال العلمي وحبكاته، وأكد فقيه، الذي يُعد أحد الكتاب المهتمين بالتأليف في مجال الخيال العلمي، وانتقل به إلى آفاق جديدة يتخذ فيها الإبداع منحى آخر بكل عناصر التجديد الأدبي والقصصي، أهمية تقديم أدب خيال علمي مكتوب بالعربية جاذب لهم يختلف عن الكتابات المستوردة من الخارج، مشيرا إلى أنه يسعى في كتاباته إلى تكريس الأصالة بأبطال منا وفينا، يعكسون همنا ونظرتنا للحياة والكون، لأننا نحتاج إلى أدب خيال علمي عربي لغة وروحا، لأنه الأقدر على التعبير عن الهم الإنساني في هذا الزمن الرقمي الذي نعيش فيه.- ما رأيك في تحول اهتمام وإقبال القارئ العربي والسعودي نحو أدب الخيال العلمي؟ كل جنس إبداعي في حاجة إلى بيئة متقبلة له، وإلى وقت قريب كان الخيال العلمي ممجوجا عندنا، لكن انتشار الدراما التلفزيونية عالية الإنتاج عبر المنصات أوجد قاعدة جماهيرية متنامية لهذا النوع من الأدب خارج نطاق المحاربين القدامى من محبي الخيال العلمي المكتوب، اليوم هناك متلقون شباب مهتمون بالتنويع فيما يشاهدون ويقرؤون، وهم أكثر تصالحا من الثيمات الغرائبية، ومتفهمون عقد الخيال العلمي وحبكاته، والتحدي الآن يكمن في تقديم مادة مكتوبة بالعربية جاذبة لهم. - هل يمكن لرواية الخيال العلمي أن تحقق أهدافا تعجز عنها الأنواع الأخرى من الكتابة؟أعتقد أن رواية الخيال العلمي هي الأقدر على التعبير عن الهم الإنساني في هذا الزمن الرقمي الذي نعيش فيه، فتغلغل الذكاء الاصطناعي والتنافس على سياحة الفضاء، وتمكن الفيروسات المستجدة، كلها حقائق تعرف واقعنا، فكيف ستتطور مفاهيم الحب والأخلاق والعدالة في عهد الآلة المسيطرة؟ وما شكل قوانين العمل والأسرة في زمن الاحتباس الحراري والخوارزميات الذكية وتهاوي الرأسمالية؟ سأقول إن الخيال العلمي بات الإطار الأكثر واقعية لمقاربة الهم الإنساني عبر تلك التساؤلات وغيرها. - لم لا نشهد رواجا لهذا النوع الأدبي في عالمنا العربي؟ المسألة ذات شقين، أولا إن أعمال الخيال العلمي العربية التي تتواءم مع الشرط النقدي السائد قليلة جدا، والشق الثاني أن المنظومة الثقافية التقليدية تعده في العموم أدبا مستوردا أو خفيفا يليق بالناشئة، وكان من الجيد أن تفوز «حرب الكلب الثانية» بجائزة الرواية العربية عام 2018، لكن أدب الخيال العلمي يظل لدينا جنسا غرائبيا لا يعبر عن الهم اليومي أو التاريخ الجمعي، وأعتقد أن الحال سيتغير مع النقلة التي نشهدها حاليا في الذائقة الجماهيرية، وعموما فالنقاش حول أدب الخيال العلمي حاضر ونشط على منصات التواصل الاجتماعي، التي تعد مسؤولة عن سحب البساط من تحت أي وصاية مؤسسية كانت، وأقدر على احتواء الطرح المغاير.- كيف ترى علاقة رواية الخيال العلمي بالسينما؟ هي علاقة حب وكراهية معقدة، وسيظل أدب الخيال العلمي المكتوب مدينا للسينما بانتشاره، ولنتذكر «الحديقة الجوراسية» و«Interstellar»، كما ستظل السينما متهمة بإفساد كل عمل خيال علمي عظيم، مثل رواية «المريخي»، وأعتقد أن أدب الخيال العلمي بسعيه الأكيد لتحقيق قيمة «الإبهار» المستلهمة من الظواهر الكبرى من حولنا، سيظل شديد الاعتماد على السمة البصرية للسينما من أجل إيصال أفكاره. - إلى أي مدى يكرس كاتب الخيال العلمي العربي الخيال للتعبير عن الواقع؟ ذكرت مرارا أني أتأرجح بين الماضي والمستقبل لأقرأ الحاضر، فتخيل ما كان وما سيكون هو وسيلتنا البائسة لافتراض بدائل لواقع حتمي لا سبيل إلى تحويره إلا عبر التخيل والتساؤل: ماذا لو؟، كثيرا ما يتجه مؤلفو الخيال العلمي إلى استحضار الملاحم التاريخية الكبرى، ولنتذكر كيف تأثر إسحق آزموف بابن خلدون وبتاريخ الإمبراطورية الرومانية حين كتب «Foundation»، وكيف تشكل أعمال الدستوبيا، التي تتخيل المآلات السوداء لحضارة الإنسان عطفا على تاريخه المؤسف، مسارا واضحا في أدب الخيال العلمي. وحتى لو كتبنا رواية خيال علمي ذات أحداث زاهية، أو تخيلنا مستقبلا سعيدا للعلاقة الحرجة بين الإنسان والآلة، في كل الأحوال فإننا سنتكئ على أملنا في مستقبل لا تتكرر فيه أخطاء الماضي الأليمة. - لماذا نرى في أعمالك الإبداعية دخولا في فضاءات البعد الذاتي، وهي أشبه بصناعة عالم يضطر القارئ لاستكشافه؟ كل الكتابات الإبداعية تستقي من البعد الذاتي لكتابها، أما اختلاف عوالمي فمرده إلى رغبة ملحة في التجريب واكتشاف آفاق مختلفة للتجربة الإنسانية المشتركة، ومن خلال مرويات تاريخية بديلة أو ثيمات غير تقليدية، أعترف بأني ألتزم خطا مغايرا عن عمد، لكني أجد متعة كبرى في «الكشف» الذي أمارسه مع قارئي، حين نستوعب معا أن هذه الثيمة الغريبة أو تلك الحبكة المتطرفة التي تبدو لك شاذة في وهلتها الأولى، تتماس في الواقع مع مكونك، مع ملامحك الدفينة التي أودعها فيك مسار التاريخ، فثمة مروية شاذة أشد إقناعا من الرواية التقليدية المريحة، وما يشحذ فتيل الكتابة عندي هو الفكرة الصادمة ورفض الحبكات المهادنة، إننا كبشر خضنا معركة مدهشة في تفاصيلها مع كل ظروف الحياة حتى وصلنا إلى هذه المرحلة من المدنية والصدمة وفرحة الكشف، وهي جزء أصيل من قصتنا كجنس متشبث بالحياة. - كيف تفسر اهتمامك في كتاباتك بالتاريخ الأوروبي وعالم الفنون فيها؟ أنا مهتم بتاريخي الموازي الذي شكلته عشرات القرون من التعاطي مع «الآخر»، والذي هو جزء مني كذلك أيا كان جنسه، فالتطلع إلى مجرى النهر التاريخي من ضفة الآخر ومنظوره أحق بإعطاء نظرة أكثر شمولية وأبعد عن التنزيه الذي هو علة أي قراءة تاريخية موضوعية، وفي «رسم العدم» كتبت عن عوالم الفن الهندسي والرياضيات، وغرضي الخوض في صور الحياة عبر ضفتي المتوسط في القرن الثالث عشر، أما في «المخوزق» فكان الأمر أبعد ما يكون عن الفن والجمال. - من يرصد تجربتك الروائية يرى علاقة عميقة وكثيفة مع «الصفر» سواء بمنظوره الفلسفي أو الديني أو الروائي، حتى إنك جعلته منطلقا لآخر أعمالك.. لماذا؟في رواية «رسم العدم» أقمت «الصفر» كقيمة عددية وفكرية، مقام البطل الطريد الذي تتنازعه الهويات، وتلك حالة فيها إسقاط على العربي، فردا وموروثا، أليس من المدهش أن الأعداد التي تستخدم في الغرب اليوم تسمى «الأعداد العربية» مع أن العرب المشارقة لا يستخدمونها، بل ويجهلون أن أجدادهم ابتكروها، بل ويستهجنون أن أصولها هندية، ومن المدهش كذلك أن الغرب المسيحي رفض الصفر لقرون بحجة أنه رمز «كفري» مجلوب من عند المسلمين، فرحلة انتقال الصفر من العرب إلى الأوروبيين تمثل الفصل الأخير في قصة انحسار التفوق الفكري العربي وبدء عصور النهضة الأوروبية، وتلك «التغريبة الصفرية» إن جاز التعبير، هي تورية لتغريبة العربي الذي تتقاطع قصته وتتماهى مع كل من شكلوا شخصيته المعقدة والممتدة، كتبت عن الصفر في «رسم العدم» حبا في البحث في تاريخ العلوم، وكتبت عنه لأنه كان بوابتي للبحث في مرويات خفية عن الشخصية العربية، و«رسم العدم» وبطلها ليوناردو فيبوناتشي هي قصة عن البطل العربي لكن بعيني ولسان الآخر الأوروبي في عز زمن التأزم بين الاثنين. - ما الذي تسعى إلى تكريسه عبر أعمالك بما يجعلها تختلف عن نظيرتها في الغرب؟ أسعى إلى تكريس الأصالة بأبطال منا وفينا يعكسون همنا ونظرتنا للحياة والكون، ولا شك أن كثيرا مما يُكتب عربيا في هذا الشأن يبدو كأنه مترجم عن الأدب الأمريكي، وهذه إشكالية حقيقية رغم وجود أدب خيال علمي صيني ممتاز مثلا، ونحن نحتاج إلى أدب خيال علمي عربي لغة وروحا. - هل ترى أنك حققت جديدا عبر ما كتبته حتى الآن؟ تحديد ذلك متروك للقراء والزمن، فأنا أعتقد أني ما زلت في بداية مشوار مثير للاهتمام.التخيل وسيلتنا البائسة لافتراض بدائل لواقع حتمي لا سبيل إلى تحويرهبعض المرويات الشاذة أشد إقناعا من الرواية التقليدية

مشاركة :