فقد مئات الآلاف من الأفغان وظائفهم منذ استيلاء حركة طالبان على مقاليد الأمور في البلاد قبل أسبوعين، ويخشى كثيرون على مستقبلهم في ظل إغلاق معظم البنوك أبوابها، وارتفاع الأسعار. ولا يستطيع المواطن الأفغاني ميرساي أن يصدق كيف تغيرت حياته منذ ذلك اليوم. وقبل الخامس عشر من أغسطس الجاري، كان الروتين اليومي لميرساي يسير على هذا النحو: ركوب سيارة أجرة، مشاركة مع آخرين، إلى الحي الحكومي بجنوب العاصمة الأفغانية كابول، حيث يعمل في مكتب مسؤول عن تدقيق حسابات الوزارات، وبعد انقضاء ساعات العمل، اعتاد الرجل الذهاب لممارسة الرياضة، أو لقاء الأصدقاء، قبل أن يعود إلى بيته. ولكن كل شئ قد تغير الآن، ولم يعد من الممكن أن يحدث شئ من هذا. ويقول ميرساي، الذي رفض أن يذكر اسمه كاملا: "أعمل في وظيفتي منذ عشرة أعوام، والآن صرت حبيسا في بيتني". وهذه الأيام التي يحسبها ميرساي بدقة، تمثل الفترة منذ عودة حركة طالبان المتطرفة إلى السلطة في أفغانستان، في تغير مفاجئ للبلاد بأسرها، ليس فحسب على الصعيد السياسي، بل والاقتصادي أيضا. ولا يستطيع مئات الآلاف من الأشخاص، وبينهم بشكل عملي جميع موظفي الحكومة، والشركات الخاصة، العودة إلى أعمالهم. وقد صار الاقتصاد الأفغاني - الذي يعاني بالفعل من تداعيات وباء فيروس كورونا، وتقلص حجم المساعدات الخارجية، وتدهور الأوضاع الأمنية - في حالة انهيار. وقال ميرساي: إن آخر شيك راتب تلقاه كان قبل أكثر من أربعين يوما. وأوضح أن الراتب لم يكن يكفي في الأساس لإطعام أفراد أسرته، وتابع: "والآن أنا لا أملك حتى ذلك". وعلى مدار الأيام الماضية، اعتاد ميرساي التنقل بين ماكينات الصرف الآلي في منطقته، أملا في أن يتمكن من سحب مدخراته البسيطة. ولكن هيهات، فهناك مئات الآلاف غيره يقفون في طوابير طويلة دون جدوى، حيث لم تخرج الماكينات نقودا، بل إيصالات فحسب. وفي ظل نفاد السيولة النقدية في العاصمة كابول، يتحدث سكان المدينة عن ارتفاعات حادة في الأسعار، حيث زادت أسعار المواد الغذائية بنسبة حوالي 15 %، وارتفع سعر لتر البنزين من 50 إلى 60 أفغاني (58 إلى 80 سنتا). كما سجلت قيمة العملة الوطنية (الأفغاني) مزيدا من التراجع أمام الدولار. وتزداد أعداد الأفغان الذين لم يعد بمقدورهم توفير نفقات معيشتهم، ويعيش أكثر من نصف سكان أفغانستان بالفعل تحت خط الفقر. ولا يستطيع ميرساي الآن سوى التفكير في كيف سيتلقى قريبا شيك راتب آخر. ودعت طالبان موظفي الحكومة إلى العودة إلى وظائفهم، ولكن ميرساي يقول إنه وزملاءه يواجهون صعوبة في تصديق تأكيدات طالبان بشأن الاعتدال والعفو العام، وأوضح ميرساي: "لا أعرف أحدا يريد العودة إلى وظيفته الحكومية". أما بالنسبة لمسعود، الذي يبلغ من العمر 32 عاما، والذي كان آخر عمل له لدى هيئة للتدريب المهني، فإن العودة إلى وظيفته ليست خيارا مطروحا. ويعرب مسعود، الذي لم يرغب هو الآخر في أن يذكر اسمه كاملا، عن خوفه قائلا: "سوف يقتلونني حال ورود شكوى واحدة بشأن عملي"، وقال إنه يشك في قدرة طالبان على دفع رواتب موظفي الحكومة. وجدير بالذكر أنه في الآونة الأخيرة، كان يتم تمويل حوالي 80 % من الموازنة العامة لأفغانستان من خلال الجهات المانحة الأجنبية، وقد بدأت الدول ومؤسسات التمويل تعليق التحويلات إلى البلاد في أعقاب استيلاء طالبان على السلطة. ويرى مسعود أن الخيارات المتاحة في أفغانستان محدودة للغاية وسط هذا الوضع القاتم، وقال إن عددا من زملائه وأصدقائه يعتزمون الآن السفر إلى الدول المجاورة كعمال باليومية، وإرسال النقود إلى أسرهم. ويقول مسعود إن الأمر يبعث على الإحباط، "فنحن جميعا حاصلون على شهادات جامعية ودرجة الماجستير". وقد أكد ممثلون رفيعو المستوى في طالبان مرارا وتكرارا على أن الموقف سوف يهدأ في القريب العاجل. وقال الملا محمد يعقوب، نائب زعيم طالبان، في مقابلة نشرتها قنوات تابعة للحركة يوم الثلاثاء الماضي، إنهم قد بدأوا "بجدية" في إعادة تنشيط الهيئات الحكومية. وأوضح أن السلطات سوف تعود عما قريب للعمل مجددا، وسوف تسعى إلى حل جميع القضايا، بما في ذلك المتعلقة بالاقتصاد والتوظيف. ولكن أقل ما يمكن أن يقال هو أن الثقة محدودة فيما يتعلق بخبرة طالبان في الاقتصاد. وحتى عبدالله، وهو قائد وحدة بالقوات المسلحة، يقول إنه ببساطة جلس في بيته منذ استيلاء طالبان على السلطة، وليس لديه أدنى فكرة كيف سيطعم أسرته في المستقبل، وتابع أنه منهار لدرجة أنه لا يستطيع الحديث عن الموقف الحالي. وتابع عبدالله: "أصابنا الانهيار جميعا بشكل قوي للغاية"، مشيرا إلى الوتيرة السريعة التي يتدهور بها الوضع الاقتصادي في أفغانستان. وحذر عبدالله قائلاً: "إذا ما استمرت الأمور بهذه الوتيرة، سوف يأكل أبناء هذا البلد بعضهم البعض قريبا".
مشاركة :