صحافي تشيلي بين مطرقة “طالبان” وسندان شبكة “حقاني” .. كوابيس واقعية

  • 9/1/2021
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

أمضى الصحافي وصانع المحتوى التشيلي خورخي سعيد، ما يزيد عن ٢٠ يوماً تحت سقف الموت في العاصمة الأفغانية كابل، بعد أن قدِّم للبلاد مع فريق عمله بتاريخ ٣ آب/أغسطس ٢٠٢١م؛ وذلك لإعداد سلسلة من التحقيقات والأفلام الوثائقية المعنية بالأيدولوجية الدينية في الداخل الأفغاني، التي كانت من المفترض أن تعرض على إحدى القنوات التشيلية، إلا أنه لم تكن لديه أدنى فكرة عن ذلك اليوم اللاهف الحرارة في أفغانستان، عندما وقع وسط الفوضى العارمة التي سببها استيلاء طالبان على السلطة. وهكذا شهد التشيلي البالغ من العمر ٥٥ عاماً سيناريو الأحداث المتعاقبة الذي دفع مئات الأشخاص إلى التجمهر في المطار، واقتحام الطائرة الأمريكية وما تبعها من تفاصيل مؤلمة أودت بحياة عشرات الضحايا عندما تشبث اليائسين منهم بعجلات الطائرة وهي في طريقها للإقلاع، بينما تعلق البعض الأخر بجنون بجناحيها، في مشهدٍ ينذر بانهيار شامل للأوضاع الداخلية؛ قد ينتج عنه مالآت خطيرة للغاية تنعكس سلباً على مستقبل البلاد. وعلى الرغم من تفاقم الأوضاع كافة أكثر مما كانت عليه إبان حكومة أشرف غني، كان خورخي سعيد واحداً من الأشخاص القلائل الذين عاشوا الكوابيس الواقعية بساعاتها المرعبة التي قضاها هناك حتى أصبح في نظر الدول اللاتينية وبحر الكاريبي أحد الأصوات الرئيسية للأزمة الأفغانية، التي من المتوقع أن تكون واحدة من أكبر الانتكاسات السياسية للخارجية الأمريكية بعد فشل إدارة جو بايدن في احتوائها، واجهاض محاولة الإسلاميين المتطرفين على مدار ٢٠ عاماً المضي قدماً نحو هدفها الرامي إلى السيطرة على مفاصل الدولة الأفغانية، وهو ما نجحوا بالفعل من بلوغه، الأمر الذي زاد من احتمالية أن تكون أفغانستان الطالبانية ملاذا آمنا للإرهابيين، وأرضا خصبة للمتطرفين، لا سيما وأن إسناد طالبان – المثير للجدل – مهمة أمن العاصمة كابل لشبكة “حقاني”، التي تربطها صلة مباشرة مع تنظيم القاعدة، والمدرجة ضمن قائمة المنظمات الإرهابية في الأمم المتحدة، من شأنه أن يقوض وعود طالبان التي قطعتها مع أطراف النزاع خلال سلسلة المحادثات الدبلوماسية المنعقدة في قطر العام المنصرم، الهادفة إلى أن تتبنى طالبان نهجاً أكثر اعتدالاً عما كانت عليه إبان حكمها للبلاد عام ١٩٩٦م، وأن تلتزم بعدم إتاحة الفرصة أمام الإرهابيين لاستغلال أراضي البلاد لشن هجمات إرهابية ضد الدول الأجنبية الأخرى. واللافت للانتباه أن حركة طالبان تحاول يائسة تقديم ما يمكن من خلاله تحسين صورتها الذهنية أمام المجتمع الدولي عبر اعتمادها على قوة الضغط الناعمة، فهو حالياً خيارها الأمثل لتحقيق أهدافها الساعية إلى إيهام الجميع بأن سلوكها السياسي بات أكثر اعتدالاً وانفتاحاً نحو العالم على غرار مزاعم حماية حقوق الإنسان، وحفظ حقوق الأقليات العرقية والدينية والمذهبية والقومية وجل الغايات التي يرنو إليها الفرد الأفغاني، التي تحرره بشكلٍ أو بآخر من قيود الفزع والفاقة، بَيْد أن هذه الصورة المزيفة التي تتصدر المشهد الإعلامي الطالباني باتت على المحك، بعد أن نشر الصحافي التشيلي خورخي سعيد جملة الأحداث الواقعية في أفغانستان عبر حسابه على الإنستغرام، والتي توضح الصورة الجلية عما يحدث بالفعل، حيث ظهر في إحدى الفيديوهات بسلوكٍ بدا عليه الهلع والفزع حينما قال: ” يمكنكم الآن سماع أصوات العديد من طائرات الهليكوبتر تحلق في سماء كابل، وكذلك أصوات أعيرة نارية لا أستطيع تحديد مصدرها، وسط حالة من الذعر انتابت مئات الناس في الشارع”، ويضيف خورخي سعيد حول ما اسماه اللياقة الطالبانية مع الجاليات الأجنبية قوله: ” ما يثير الشكوك حيال طالبان محاولة إخفاء الوحشية البادية في أعينهم عند تعاملهم مع الأجانب، ويبدو أنها فرصة سانحة لهم لإظهار سلوك إيجابي يتعاطف معه الرأي العام الدولي، ولكن الناس هنا تشك في جدية هذا التغيير المزعوم بعد أن أقدَّم بعض أعضاء طالبان على قتل أفراد من الجيش الأفغاني الذين استسلموا لهم بعد سقوط البلاد”. وبجانب ما تبقى من الاقتصاد الأفغاني الهزيل، ظهر خورخي في مقطع فيديو آخر نشره على حسابه بالإنستغرام، بتاريخ ١٨ آب/أغسطس ٢٠٢١م، وهو بين مجموعة من السكان في أحد الأحياء الأفغانية القابعة تحت براثن الفقر قائلا: “تغير كل شيء، فالتوقعات قاتمة، والناس يائسة للغاية، فهناك مناطق بلا ماء ولا كهرباء، البنوك المصرفية معطلة، والبنية التحتية مدمرة، والمرافق الصحية والخدمية تدار بشكلٍ بدائي للغاية نظراً لما لحقها من دمار، كما أن شح المواد الغذائية ونقصها بات أمراً محتملاً في ظل ضبابية الوضع الراهن، ولا أعرف ما الذي سأفعله للخروج من تحت حطام الموت بعد تعليق الرحلات الجوية، ولكني على يقين تام بأن ما أمر به من معوقات تعد صغيرة بالنسبة لما يعيشه الناس هنا”. ويضيف إلى حديثه عن طالبان قوله: “على الرغم من أن أعضاء حركة طالبان لا يحتجزون الأشخاص بشكل تعسفي غير أنهم يديرون تحركات الناس في الشارع، ويفتشونهم بين الحين والآخر دون سبب وجيه !؟ .. ما سبب للناس حالة من الهلع والخوف الشديد، وبما أني أحد هؤلاء الناس الذين خضعوا للتفتيش؛ عندما اقتحم عدد من أعضاء طالبان غرفتي الخاصة في الفندق الذي أقطن به في كابل، فإني أقول لكم بتجرد أنهم تراجعوا عن إكمال ما بدأوه حينما عرفوا أني أجنبي عالق، وهذا ما جعلني على يقين تام بأن سلوكهم الإيجابي أشبه بالتمثيل ولا أزيد “. – مخاوف من اندلاع حرب أهلية في ظل تفاقم الأزمة واستمرارها في أفغانستان، يحذر الصحافي وصانع المحتوى التشيلي خورخي سعيد من احتمالية اندلاع حرب أهلية تفضي إلى مآلات خطيرة تهدد ما تبقى من سلمٍ في أفغانستان، حيث ذكر بهذا الشأن: “أن هناك ميليشيات تستعد لتكون قطباً للمقاومة ضد ما اسماه بالمتمردين، خاصةً في إقليم بنجشير؛ الذي ظل بمنأى عن قبضة طالبان في تسعينيات القرن الماضي”، غير أن بعض المحللين يرون أن طالبان تسعى لاقتناص أي فرصة سانحة من شأنها ايهام الرأي العام الدولي؛ أن طرائقهم لحل الأزمات تأتي من منطلقات دولة القانون والمؤسسات، ولن يكون خيار القوة الصلبة متاحاً إلا عندما يلزم الأمر”. ويبقى أن نشير إلى أن خورخي سعيد استطاع في خضم الفوضى العارمة الخروج من البلاد قبيل ساعات قليلة من التفجير الداعشي الإرهابي (خرسان)؛ الذي استهدف محيط مطار كابل، وأسفر عن سقوط العديد من الضحايا مابين قتيل وجريح، في حدثٍ دمويٍ أليم ينذر عن انبثاق تحديات داخلية لاحقة.

مشاركة :