هَيبةُ الدُخُول إِلى حَرَم الشعر (2 من 2)

  • 9/2/2021
  • 00:00
  • 2
  • 0
  • 0
news-picture

كيف يكون الدخولُ إِلى حرم الشعر؟ كما الحريةُ لا تُلمَس، والعطرُ لا يُلتَقَط، هكذا الشعر لا يُفسَّر بل يضُوع ويُعاش. تَلَقِّيهِ في الإِحساس به هُو في ذاته تفسيرُهُ بكلّ وضوحه. فالشعر انفعال، ولكلِّ انفعالٍ إِيقاع بغرابةٍ ونضارةٍ تَضُمّان كلَّ المعرفة وكلَّ الكون في مزيجٍ عجيب لا يُمكن تفسيره. الشعر عملٌ فنّيٌّ صعبٌ لا يأْتي اتّفاقًا ولا تلبيةً فطريةً لِرغبةٍ في التعبير. إِنه، ككلّ فنٍّ عظيَم، إِبداعٌ فاخر. لذا لَم يبقَ خالدًا على الأَجيال إِلَّا وحده الإِبداعُ المنصَهِرُ بنار الصعوبة. معيارُه منهُ وفيه. حين الشعرُ وليدُ الأُصول لا حاجةَ إِلى شرحه لبلوغ جَماليّاته (لوحات ميكلانج ابن الأُصول لا حاجةَ لِمن يشرحها كي نفهمَها). يكفي أَن نقرأَه فيبلُغنا. بينما الشعرُ الخارجُ على الأُصول يَحتاج حَملةَ تنظيرٍ له وَحَوله وعنه وفيه، ومصفّقين يُرَوِّجون له سرعان ما يَختفي باختفائهم. الشعرُ ابنُ الأُصول (وهو حصيلة تَجربة الأجيال) لا يَحتاج أَحدًا يُنَظِّرُ له أَو يَشرحه أَو يُـمَذْهِبُه أَو يُـمَدْرِسُه، لأَنّ القِيَمَ، حين يكون الشاعر خضَع لَها، برهَنَت على فاعليَّتها ونِهائيّتها طوال عصور. معيار آخر للدخول إِلى حرَم الشعر: الشعرُ ابن الأُصول كلَّما قرأْتَه غُصْت عليه والتذَذْتَ به كلَّ مرَّة كما لأَوَّل مرَّة. بينما الشعرُ الذي يُشيح عن قِيَمٍ عُمرُها أَجيال، نقرأُه ونستهلكه من المرَّة الأُولى، لا نعود إِليه ولا نتذكَّر منه إِلَّا إِذا تذكَّرنا ما قاله عنه مُرَوِّجوه. الفرق بين الشعر واللاشعر: هذا يَحتاج كلام التنظير حوله ليكون، وذاك هو في ذاتِه الكلامُ عليه. الشعر تعبيرٌ عن أَنطولوجيا الإِنسان. وإِذ الأَنطولوجيا تُحدِّد الإِنسان عاقلًا، هكذا الشعر يترجم الإِنسانَ في فعله ومُمارساته، لأَنه، شكلًا ومضمونًا، لاحقٌ تطوُّر الإِنسان. وتطوُّرُ الشعر ليس عملًا إِراديًّا بل حصيلة حياتية عفوية لتطوُّر الإِنسان في الطبيعة. من هنا أَنّ الإِيقاع في الشِّعر متلازمٌ وإِيقاعَ كينونة الإِنسان في طبيعةٍ قائمةٍ على التناغم والتناسق والإِيقاع. هل موضوعاتٌ مُميَّزة لشِعرنا دون شعر سوانا؟ عدا استثناءات غير رئيسَة، عالجَ شِعرُنا مواضيعَ مطروحة عمومًا أَمام الشُعراء. فالعواطف الإِنسانية تتفاوتُ تعبيريًا لا كينونيًّا. والمرأَةُ يتفاوت الإِحساسُ إِزاءها في التعبير لَها لا في جوهرها. والوطن يبقى المدى الذي يَعبُرُه الشاعر من حيثما يعتبر دخوله مؤَاتيًا قناعاته. وإِذا كان التعبير غير جدَليٍّ في التعبير عن العاطفة الإِنسانية أَو حيال المرأَة، فالموضوع الوطنِي مازال جدَليًّا لأَن معظم شِعرنا الوطنيّ ما زال يُسَيِّس الوطن ولا "يُـمَلْحِمُهُ". الوطن، في الشِّعر العظيَم، يَخرج ملحمةً أَو رموزًا أَو مسافةً عبقريةً يرسُمُها الشاعر، فيَما أَكثر الشعر الوطني استهلاكيٌّ فَقَدَ الكثير من الرؤْيا لأَنه ارتَمى في الآنيّ المتغيِّر. بهذا يكون صادقًا دُخُولُنا إِلى حَرَم الشعر.

مشاركة :