لا يجب اعتبار الأحداث التي شهدت تصاعد العنف في القدس المحتلة والضفة الغربية المحتلتين، والتي تضمنت قتل عدد من اليهود أحداثاً منعزلة، فهي لها سياقها الذي اندرجت فيه، ويمكن تلخيصها كالتالي: الاستراتيجية الإسرائيلية (التي لم تعلن، ولكنها مفعلة) تتمثل في جعل حياة الفلسطينيين المحتلين والمضطهدين جحيماً، على أمل القضاء على نضالهم ودفعهم للاستسلام للشروط الإسرائيلية. نتائج هذه الاستراتيجية الإسرائيلية، بالإضافة إلى فشل القوى الرئيسية في فعل أي شيء لحمل إسرائيل على إنهاء تحديها للقانون الدولي وإنكارها حق الفلسطينيين بالعدالة، تتمثل في أن أعداداً أكبر من الفلسطينيين يساقون إلى اليأس التام. أسئلة مطروحة سؤال: هل من العجيب إذن مهاجمة اليهود الإسرائيليين وقتلهم؟ جوابي على ذلك بالتأكيد لا. ومن وجهة نظري، وعلى النحو المشار إليه في المقال، فإن المفاجأة الحقيقية الوحيدة هي كيف أن عدداً قليلاً من اليهود الإسرائيليين هوجموا وقتلوا حتى يومنا هذا. الواجب قوله أيضاً هو أن ردود الفعل الإسرائيلية على التحركات الفلسطينية المدفوعة باليأس التام، وهي ردود تشمل القتل بدلًا من الاعتقال وهدم المنازل، تأتي بنتائج عكسية، وتطرح في حد ذاتها سؤالها الخاص: هل طبيعة القادة الإسرائيليين جعلتهم أغبياء إلى حد كبير أو أنهم بالفعل يريدون تصعيد العنف الفلسطيني لإعطائهم ذريعة للإقدام على خطوة التطهير العرقي النهائي؟ وكما قلت في مقابلة تلفزيونية ماضية، فإن المستقبل هو وحده الذي سيكشف عن الجواب عن هذا السؤال.عملية تطهير ولايزال في ذهني ما قاله الجنرال المتقاعد شلومو غازيت الضابط في الاستخبارات العسكرية أوائل عام 1980 عندما كنت أمثل دور الوسيط في المحادثات السرية بين الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات والسياسي الإسرائيلي شمعون بيريز (القائد الرئيسي لحزب العمل الإسرائيلي، الحزب المعارض آنذاك): لو أننا كنا الفلسطينيين لكنا قد أقمنا دولتنا الصغيرة منذ زمن بعيد، والوجود الإسرائيلي هو أكثر الدلائل مأساوية بشأن ما يمكن تحقيقه عبر خطة محكمة وإرهاب دائم. وقصد بذلك إنهم قد لجأوا إلى حملة مخطط لها بشكل جيد ومعد لها مسبقا لدفع الأغلبية اليهودية الإسرائيلية للقول لحكومتهم شيئا على غرار: طفح الكيل، لا يمكننا تحمل المزيد من هذا، اصنعوا سلاماً مع الفلسطينيين بناء على شروط يقبلون بها. وبرأيي فإن حملة إرهابية جيدة ومحكمة لم تكن يوماً خياراً بالنسبة إلى الفلسطينيين، لأنها ستمنح القادة الإسرائيليين ذريعة من أجل القيام بعملية التطهير الأخيرة. إلا أن من الواضح أنه كلما أصيب عدد أكبر من الفلسطينيين باليأس، قُتل عدد أكبر من اليهود الإسرائيليين، إلا أن ذلك لن يمنع الأفراد الفلسطينيين من اتخاذ قرار تنفيذ هجوم ما وقتل المزيد من الإسرائيليين في لحظة يأس. وفقط في حال حدث ذلك، فإن صيحات الموت للعرب من الغوغائيين اليهود والمستوطنين ستزيد بشكل كبير، وستنحني حكومة إسرائيل لرغباتهم.
مشاركة :