يلتقي الماضي مع الحاضر في معرض دي فاش ستركشن ليعرض تراث الدولة من خلال عدة تصاميم للملابس والمجوهرات والإكسسوارات والصور. والمعرض الذي ينظمه مركز 1971 للتصاميم، المركز المبتكر للفنون البصرية المعاصرة في الشارقة، يحمل بين طياته العديد من التصاميم المبتكرة البعيدة عن المفاهيم التقليدية المألوفة لعدد من المصممين الناشئين والمصممين ذوي الخبرة من داخل الدولة وخارجها ،كل منهم يعبر عن طرق جديدة لتوثيق التراث الثقافي الغني للإمارات العربية المتحدة، والخروج به من الحيز الضيق إلى فضاءات إبداعية أوسع تكسر حواجز فنون التصميم التقليدية، ويستمر حتى 26 من ديسمبر/كانون الأول. في دي فاش ستركشن المعني بأهمية إبراز التراث الوطني للإمارات من خلال الأزياء المعاصرة، تقودنا الرحلة لاستكشاف أقسام المعرض، فهو مكون من فئتين فئة المجوهرات والإكسسوارات وفئة المنسوجات والأزياء. ويضم المعرض، الذي أقيم بإشراف القيمة الفنية الإماراتية والمصممة المعاصرة خلود ثاني، مجموعة مميزة من الأعمال الفنية التي تسعى عبر الأزياء الشعبية والإكسسوارات التقليدية، إلى استكشاف التراث الثقافي الغني للدولة من خلال دراسة واستعراض تطور هذه الأزياء، التي تشمل الملابس النسائية والرجالية، وصور أزياء، وتصاميم أقمشة، وأعمالاً تركيبية متنوعة. تقول خلود ثاني، القيمة الفنية الإماراتية: اختير موضوع (التفكيك) كتقنية مركزية للمعرض، نظراً لما تتميز به هذه العملية من عناصر تحليلية بحتة، إذ إن التفكيك في عالم الأزياء يتحدى الأفكار التقليدية في هذا المجال، ويقترح بدلاً منها إعادة التفكير في وظيفة ومعنى قطعة الملابس. وتبدو الفكرة الرئيسية لتفكيك الأزياء معاكسة للعلاقة بين الجسد والقماش، حيث تستدعي قطع الملابس الاهتمام بآلية إنتاج هذه الملابس، وتوجد نوعاً من التفكير التحليلي، وكل عمل فني معروض له قصة، ولم نستهدف في المعرض مصممي الأزياء فقط بل شارك في المعرض مصممو الأثاث والمجوهرات والمصورون وقدم المشاركون أعمالا جديدة صممت للمعرض خصيصاً ما عدا ثلاثة مشاركين قدموا أعمالاً عرضت من قبل ،ولكنها كانت مناسبة بشكل كبير لفكرة المعرض واختيرت للمشاركة. وتضيف: استنبط المصممون في دي فاش ستركشن سبل توثيق تراث الدولة، الثقافي الغني والمعالم الحديثة من خلال الأزياء المعاصرة ،وذلك بأسلوب تحليل العناصر الثابتة وتفكيكها في مشاريعهم التي تم تكليفهم بها. ويكشف دي فاش ستركشن النقاب عن جوانب متعددة في المعرض ووجهات نظر مختلفة اختارها المصممون بالإضافة إلى ممارسات تراثية تعمقت جذورها لسنوات عدة قبل قيام الدولة وحتى اليوم، ويشير المصممون من خلال أعمالهم إلى الحياة الاقتصادية السابقة والحالية وأساليب الزينة المتعددة والعادات المحلية. الأختان حنان وحصة عزير، مصممتا الأزياء، كانتا وراء ظهور العلامة التجارية بوز/أرازي حيث وضعتا التصميم الأصلي استناداً إلى تراث الدولة. وعن التصميم الذي شاركتا به في المعرض، تحدثت حنان قائلة: أطلقنا على التصميم اسم (قبل وبعد)، ويقصد به الماضي والحاضر وفككناها من التصميم الأساسي الموجود في خريف وشتاء 2014، واخترنا هذا التصميم بالتحديد لأنه يحتوى على جلد الجمل، ولاحظنا أن الجمل لعب ومنذ القدم دوراً أساسياً في تراث الإمارات والمنطقة وكان وسيلة النقل المعروفة باسم (سفينة الصحراء) وكان يستخدم أيضاً لإنتاج اللحوم والحليب، كما استخدم وبر الجمل في صنع الخيام والبسط بالإضافة إلى الاستخدامات الجلدية المتعددة. وجاء التصميم على شكل معطف طويل ليدل على تراث الدولة، كما اشتمل على زوايا حادة عبرت عن النهضة العمرانية التي تشهدها الإمارات والدمج بينهما في عمل فني واحد، كما استخدمت مواد أخرى بما في ذلك الأقمشة والخشب والصوف جنباً إلى جنب مع الجلود الفريدة. وعرضت آية البيطار، مصممة الأزياء، قطعة فنية باسم له ولها وهي عبارة عن معطف كبير مصنع من جلود البقر بألوان غير معتادة ؛ ليدل على تميز الدولة ورقيها، وتقول: استوحيت الفكرة من عدة عناصر تحتويها الثقافة الإماراتية مثل كلمة (الإماراتي) المشتقة من كلمة أمير، واستلهمت عملي من زي الرجال التقليدي (الكندورة) والعباءة التي ترتديها النساء في الدولة وكلاهما يمتاز بقياسه الواسع الهادف إلى تمويه الجسم كوسيلة لإظهار القوة، كما أن الفكرة مستوحاة من عمليات الصيد لأجل الحصول على الغذاء والجلود، وأحاول من خلال هذا العمل طرح تساؤلات حول تأثير الحداثة وازدهار الدولة والتي تتناقض مع الاضطرابات السياسية التي تشهدها المنطقة وتأثيرها في الأزياء في المجتمع. تأثر أحمد العنزي بدراسته في مجال البيئة، أثناء تصميمه العمل الفني الخاص بالمعرض وهو (البشت) فبدت عليه ملامح كثيرة مستوحاة من البيئة التراثية الإماراتية. يقول موضحاً: أسلط الضوء في هذا العمل على البشت التقليدي، وهو عبارة عن عباءة ويوجد فيها أحياناً مجموعة من الرباطات تنتهي عند نقطة طية الصدر، وتكون عادة واسعة ومصممة على شكل مربع، وهناك طية مخيطة قرب الركبتين لتناسب الطول المطلوب، ويرتدي الرجال البشت فوق الكندورة وأثناء المناسبات الرسمية فالبشت بالألوان الفاتحة يستخدم نهاراً أما الألوان الغامقة ففي المساء، والبشوت السوداء تستخدم من قبل زعماء القبائل والرجال ذوي المكانة الرفيعة أو العريس ليلة عرسه. ويضيف: في هذا العمل تعاملت مع بشت جاهز مصنوع بلون رمادي مع حافات مذهبة واستخدمت الصوف الخام مع ترك بعض الخيوط سائبة لإعطاء الإحساس أنه غير مكتمل، وطية الصدر ذات حجم كبير منسوجة من الجلد الخفيف في تقنية مشابهة للحصيرة الإماراتية المصنوعة من أوراق النخيل، وتحت النسيج الجلدي أجزاء صغيرة من الصدف المحلى لإضفاء تألق جميل، أما الرباطات فهي كبيرة وتصل إلى ما تحت الركبتين، كما أن طول الأكمام أقل بكثير من طول اليد والكتفين متراخيين قليلاً إلى الأمام، وتم التلاعب بتصميم الجزء الخلفي من البشت ليشبه الحدبة. المصممة تيجانا ملادينوفيتش، استخدمت شجرة النخيل في عملها الفني المسمى بشجرة الحياة. وعن عملها تقول: شجرة النخيل جزء ثابت من الثقافة الإماراتية، فهي شجرة متعددة الاستخدامات تغذي وتحمي وتوفر مواد لبناء المنازل البسيطة والقوارب، والناس في الدولة لهم اتصال قوي بشجرة النخيل خصوصاً في شهر رمضان الكريم، للحصول على التمور والتي تعتبر أفضل طريقة لكسر الصيام. أما المصمم فيصل الملك، فيقول إنه استلهم عمله الفني مريم تيريزا من ماريا تيريزا ثالر، العملة الفضية النمساوية التي سميت على اسم الإمبراطورة في ذلك الوقت، والتي كانت معروفة على نطاق واسع في جميع أنجاء الوطن العربي ومنطقة الخليج من نهاية القرن الثامن عشر وحتى يومنا هذا، واستخدمت العملة في المجوهرات التقليدية وعلى الملابس واستخدمت في التجارة وكانوا يتعاملون بها في تقديم المهور في الزواج وكانت إشارة على الغنى والثراء، وكان يشار إليها ثالر الشام، يؤكد الملك أن انبهاره بصورة الإمبراطورة الصغيرة في القرن الثامن عشر في فستان الباروك وقطعة البروش المرصعة باللؤلؤ التي من الممكن أن يكون أتت من الخليج، كان وراء تصميمه. ويضيف: كانت وما زالت الجلابيات المنقطة الشعبية الإماراتية متوافرة في الأسواق المحلية بألوان زاهية، ومزجت في هذا العمل بين قماش التفتا الحريري بألوانه الحمراء والبيضاء مع صورة ماريا تيريزا ثالر في وسط التصميم، وهنا بدا تراث الإمارات واضحاً في جلابيات لنساءالمنطقة.
مشاركة :