تُعوّل كثيرٌ من الأجناس الأدبية على عنصر الجذب، والتشويق، في طريقة بنائها، بل أصبح ذلك العنصر من أكثر ما يجعل الأجناس الأدبية في مرحلة تشكّل دائم؛ لأن التشويق يتغيّر ويتبدّل تبعًا لتغيّر أنماط الحياة والتفكير، وأنماط التعاطي مع الحياة بصفة عامة، وما زال البحث عن عناصر تشويقية يقود كثيرًا من المنجزات الأدبية إلى الغموض تارة، والوضوح تارة، وربما قادت بعضها إلى الإسفاف، والضعف. وحين يُدرك المبدع أن التشويق عملية معقدة لا تقف على حدود الفكرة، بل تتجاوزها إلى عمق تناول الفكرة، لغويًا، وإيديولوجيًا، وبناء أدبيًا، وأن لكل جنس أدبي شكلا مختلفًا عن الآخر-وإن تداخل معه في كونه شعرًا أو نثرًا- حينها يستطيع تجاوز عقبة التشويق، والتعامل معها بإبداع كبير. وهنا لا يمكن أن ينفصل شكل التشويق في الأجناس الأدبية الحديثة عن الدهشة، الدهشة بوصفها تعبيراً منفصلاً عن منطق الأحداث، أو أشكال الزمان والمكان، فالدهشة تتجاوز فكرة الحضور فقط، إلى أن يصبح حضورها غيابًا لغيرها، كما هو في مبادئ التفكيكية. وتنطق بعض الأجناس الأدبية لا سيما الرواية والقصة القصيرة جدًا في تعاملها مع التشويق من خلال الدهشة، فتقف كل العناصر عاجزة عن تفسيرها، وهذا العجز ليس ضعفًا بل مرحلة أصغر من هيمنة الدهشة على الكتابة الإبداعية في الرواية والقصة القصيرة جدًا؛ لذا تكون عاجزة عن تفسيرها. واتخذ بعض الكتّاب عناصر لبناء الدهشة، قد تؤسّس خطابًا قصصيًا، ومن ذلك شيمة الشمري في معظم قصصها، فهي تؤسّس فكرة الدهشة خطابًا قصصيًا يبدأ من العنوان، ويتسرّب في كل مفاصل القصة، وتنوّعت عناصر الإدهاش بوصفه خطابًا قصصيًا عند شيمة الشمري بين اختيار عناوين القصص التي تحمل الدهشة مثل:»غياب، ديسمبريون، لا عودة» والدهشة هنا ليست في كون العناوين فتنازية، بل الدهشة في تفسير الغياب، والديسمبريون، وشكل العودة، وهذه الأسئلة العميقة تجعل الدهشة حاضرة لا تنتهي بقراءة واحدة. ففي قصة «غياب» تقول: الجليد الذي يسكنني بدأ يتنامى، ويتراكم حتى احتل أكثري، كلمة منك تشعلني، فأنجو!» فالدهشة ليست في غياب الكلام، بل غياب كلمة، وهذه الكلمة اختيار نوعيّ، لا يغني عنها الكلام كله، وهنا تكون الدهشة في غياب الكلمة مع تراكم الجليد الذي قد يكون كلامًا كثيرًا يشبه الجليد بياضًا، وبرودة، وثباتًا، لكنه لا ينجي، الذي ينجي هو الانصهار الذي تفعله الكلمة، عكس ما يُعرف أن الانصهار نهاية، فأصبح هنا نجاة. ومن عناصر خطاب الدهشة القصصية عند شيمة الشمري اختيار عناوين المجموعات القصصية، خاصة بعد اكتمال عناصر تجربتها القصصية، مثل: «عرافة المساء، ومنسية» وهذه العناوين تُحيل إلى دهشة كبرى؛ لأنها عناوين لقصص قصيرة جدًا، العناوين تحمل عمقًا ظرفيًا يحتاج تأويلاً وشرحًا، فلو كانت العناوين لرواية لربما حمل الخطاب الروائي تفسيرًا لها، ولكنها لقصص قصيرة، ولكن ما يمكن أن يفسر هذه الدهشة فكرة التجاور القصصي الذي تعتمده شيمة الشمري في بناء مجموعاتها القصصية، لا سيما التجاور الظرفي الذي يؤسّس فكرة الدهشة في الخطاب القصصي. فشيمة الشمري تعتمد في بناء خطاب الدهشة القصصية على تجاور هذه الدهشة، وانتقالها من قصة إلى أخرى، ومن مجموعة إلى مجموعة؛ ليظهر شكل مكتمل الأركان في عمر قصص شيمة الشمري، قد يقودها إلى كتابة ما هو أطول من القصة القصيرة، ربما يكون رواية. ** **
مشاركة :