(وجينا نبعد قالوا لنا نقعد / وجينا نقعد شدوا الكراسى).. تلك هى المشكلة، أننا حتى لو وافقناهم على كل ما يريدونه منا لمجرد تيسير الحال، فلن يتركونا فى حالنا، ففى اللحظة التى نهمّ فيها بالجلوس ح (يشدو الكراسى). تذكرت هذه الأغنية للمطرب الشعبى الكبير أحمد عدوية، وأنا أرى بحسرة معاهدة الصلح أو الإذعان مع من وصفناها قبل بضعة أسابيع بـ(فتاة الفستان)، أهانوها وتنمروا عليها بل شهّروا بها، وقرروا انتهاك السرية، وبحثوا عن أوراقها ودرجاتها فى الكلية ونشروها على الملأ ليثبتوا للرأى العام أنها أبدا ليست الفتاة المتفوقة ولا هى المثالية، قرروا أن يشغلونا، أو بالأحرى (يشتغلونا) بسؤال: «ليه خلعت الحجاب؟» على طريقة (بُص العصفورة اللى ع الشجرة)، لا يمكن لأحد أن يطلب من (حبيبة) فتاة جامعة طنطا أكثر مما فعلت، من حقها أن تخاف على مستقبلها. وهكذا اعتذرت للجميع، واعتذرت أيضا عما كتبه البعض مدافعا عنها على (السوشيال ميديا).. أتفهم كل ذلك، وأتفهم أيضا تراجع زميلتها التى شهدت الواقعة عن أقوالها، قهروها نفسيًا، وفى لقاء الصلح ارتدت البنطلون وخضعت لهم، تلك هى معركتهم الحقيقية (إياك والفستان).. استراتيجيًا، من الممكن أن نكتشف ما هو أبعد.. فى اللقطة التى تم تصديرها للرأى العام شاهدنا بجوارها سيدة منتقبة، هذا هو عمق الحكاية، المطلوب أن يخضع الجميع للسلطة الاجتماعية التى ترفض التنوع وتفرض على الناس قانونها، بحجة أن هذا هو شرع الله، ولا أحد يجادل فى تطبيق شرع الله. لو الرسول- عليه أفضل الصلاة والسلام- أطلق لحيته فهى مرتبطة بالزمان والمكان، ولا يمكن أن نعتقد بأن دينا سماويا يأتى ليُخضع الناس فى نمط محدد من الملابس، الله يعلم ما فى السرائر، ولكل زمن قانونه وتفاصيله. الشكليات التى يحاولون فرضها- مع الأسف- كثيرًا ما تؤتى ثمارها، لأنهم يدركون أن مخالفة الرأى السائد فى المجتمع، بغض النظر عن صحته، من أصعب المعارك التى يخوضها الإنسان. هذا هو عمق الحكاية: لن نسمح للفتاة بارتداء الفستان فى الجامعة أو الشارع أو البيت.. وبعدها سيمنعون وضع الفستان فى (فاترينة) المحال، ولن يكتفوا بهذا القدر، وبعد كل تلك التنازلات والتراجعات (ح يشدوا من تحتنا الكراسى)!! نقلا عن المصري اليوم.
مشاركة :