مقال : عشاق الجدل بقلم / حسين بن سعيد الحسنية ‏@h_alhasaneih

  • 9/26/2021
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

‏أعني بالجدل هنا الجدل المذموم الذي في غالبه لا فائدة منه ولا طائل من ورائه، الجدل الذي يفتقد للمصداقية في جمله وحروفه، الجدل الذي يُبني على باطل وهدفه الباطل، الجدل الذي لا يؤيد حقاً ولا ينصر مظلوماً ولا يضيف فائدة ولا يعود بنفع، الجدل الذي يُؤلب القلوب ويزرع الشحناء ويفرّق ولا يجمّع ويبعّد ولا يقرّب، الجدل الذي يعشق صاحبه الحديث في كل شيء، ويسعى للتصدر في كل ميدان، ويحرص على المشاركة في كل حضور مهما كانت نتيجة الأمر أو تبعات الأحداث، الجدل الذي يشعر صاحبه أنّه الوحيد الذي على حق وأن ليس للآخرين تخطئته أو نصحه، وأنّ من حوله في حاجة ماسة إلى ما يقوله من أحداث وأخبار يظن أنها ليست إلاّ عنده فقط، الجدل الذي يريد صاحبه أن يسكت الكل وهو فقط من يتكلّم، وأن ينصت الجميع وهو فقط الذي يُسمع، الجدل الذي طالما قال لصاحبه رأيي صواب ولا يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ ولا يحتمل الصواب، وهو من أزعج من معه بأنّ رأيه هو الرأي ومن خلفه الطوفان، الجدل الذي يسوقه صاحبه للجدل فقط دون أي اعتبار لمقصد أو هدف أو نفع أو فائدة أو تأثير إيجابي أو حتى الوصول إلى الحق، الجدل الذي يُعمي صاحبه فلا يرى بعين قلبه شعور ولا بعين رأسه كيان، لذا تجده غير آبهٍ بأحد أو محترم له أو على الأقل يُشعره بوجوده وحضوره. ومن الغريب فعلاً أن يعلم المُجادل بكل تلك الصفات للجدل المذموم، وتجده مستمراً في جداله دون هوادة، حتى أصبح من عشّاقه ومحبيه وغيره كُثُر في مجتمعاتنا -ولله المشتكى- ‏وأضرب هنا أمثلة لبعضهم رغبة في تعريف الناس بهم حتى يجتنبونهم ويحذرون منهم ومن جدالهم، فمنهم:- ‏من يجادل في آيات الله جدالاً المقصد منه التشكيك في تلك الآيات أو وضع الشبهات بين الناس كي تتزلزل عقائدهم النقيّة الطاهرة في نفوسهم ومن ثم تُشكل عليهم أموراً كثيرة من أصول الدين وفروعه، ومن أمثلة الذين يجادلون الناس بالجدال المذموم الذين يلقون بالتهم والمؤامرات على الأنبياء والرسل ﷺ ‏وعلى أصحاب محمد ﷺ والتابعين رضي الله عنهم أجمعين وعلى القدوات الصالحة المصلحة في مجتمعاتهم فيضعون من مكانتهم ويحطّون من قدرهم ويرومونهم بالباطل، وكل ذلك عبر الكلام المنمّق المصحوب بالعبارات الرنّانة والتي يؤثّرون من خلالها على قلوب وأسماع مستمعيهم ومريديهم. ‏ومن عشّاق الجدل المذموم الذين يجادلون في الأخلاق والقيم والمبادئ التي تربَّى عليها أفراد المجتمع من باب التهوين منها وأنّها سبب من أسباب التخلّف والجهل، وأنّ الأخلاق والقيم النبيلة والسامية من أحاديث الماضي، وأنّ العالم تغيّر ولا بد من تغيير تلك القيم وترك تلك الأخلاق والعيش بأخلاق الغرب والشرق والتعايش مع قيمهم ومبادئهم ،وهم يعلمون بسفول اغلبها وانحطاطها، وأيضا يقولون ذلك بأساليب ملتوية وطرق خبيثة لتحبيب الناس في سيء الأخلاق وسافل الهمم. ومن عشّاق الجدل المذموم أيضاً أولئك الذين يتشدّقون بالثقافة العفنة والأدب الرخيص فتراهم يقدّسون في مجادلاتهم للآخرين ثقافة الجنس والعهر، ويتمثلّون بأدب وشعر مروجيّ الدعارة ‏والخنا عن طريق أدبهم وشعرهم -كما زعموا- وينشرون روايات وقصص أولئك الذين صوّروا كل خبيث ورذيل في رواياتهم وقصصهم تلك حتى يُشغلوا الناس عن الثقافة الراشدة والأدب الهادف والعلم الرصين. ومن عشّاق الجدل المذموم أيضا أولئك الذين ضاعت ساعات أيّامهم بل جُلَّ أوقاتهم في مجادلة الناس عن اللعب والغناء والهوى والغزل وغيرها من الأمور التي تُلهي صاحبها عن كل خير وحق ومعروف وفضيلة، فتجد مجامعهم ومجالسهم كلها مسخّرة لتلك التوافه من الأمور عن طريق الجدال المذموم و الذي يصاحبه السب والشتم ‏واللعن وسوء الأخلاق بشكل عام. ‏وكم والله ضاعت من أوقات وخارت من همم وتفاقمت عداوات وتقاطعت أرحام وتنازعت مجتمعات و ظهرت على السطح أخلاق رديئة وتعاملات مقيتة مع حب للأنا وعيش للذات وتغليب للمصالح الشخصية وسعي للتّوهج الخادع بسبب ممارسة ذلك الجدل المذموم الذي يصاحبه الفجور ‏في الخصومة والتعالي والكبر في التعامل والتبجّح بلغة الأنانيّة. ومن الواجب على كل أحد أن يتجنّب الخوض في ذلك الجدل المذموم، وأن يحذر أن يكون من عشّاقة، وأن يقف حاجزاً صلباً أمام كل من يفجَر في الخصومة أو يبالغ في النزاعات عن طريق الجدل الأجوف المذموم الذي فعلاً لا خير فيه ولا فوائد ‏مرجوّة منه.

مشاركة :