الوقت مادة حياة الإنسان، وهو أغلى ما يملك، وأعظم ما يستثمر، وأسهل ما يضيّع – للأسف الشديد – وهذه حقائق بيّنة وجليّة، يعرفها الجميع جيّداً ويدركوا خطورتها ومآلاتها، إلّا أنّ ما يُلاحظ أنّ من الناس – وهم كُثُر – لم يراعوا نعمة الوقت، ولم يستشعروا أهميّة الحياة، ولم يدركوا خطورة فوات الأعمار وضياعها. ويعود ذلك كلّه لأسباب كثيرة ومنها على سبيل المثال لا الحصر، كفران هذه النعمة – أيّ نعمة الوقت – بتسخيرها فيما لا فائدة منه لعدم العلم – كما قلت – بأهميّتها، وطول الأمل الذي أصاب الكثير، ولسان حالهم يقول: لازال في الوقت متّسع، والأيام القادمة كثير، وما فاتني اليوم أدركه غداً، وهكذا. ومن الأسباب أيضاً العيش وسط البيئات المخذّلة، والتي يُشعرك أفرادها بأن الوقت لا أهميّة له، فتجد هذا يُضيّعه في مصالح الدنيا الزائلة، والآخر يُسخّره في اللعب والعبث، وثالثٌ يمضيه في المنازعات والمناكفات… الخ، حتى يصاب الفرد بينهم بما أصيبوا به من مرض الضياع ووباء الإهمال للحياة، وغير تلك الأسباب كثير، إلّا أنّ من أعظم أسباب تضييع الأعمار و تفويت الأوقات هو ضعف إدارة الإنسان لوقته بشكل خاص ولحياته بشكل عام، ويأتي هذا الضعف لعدم العلم سلفا، أيّ أنّه يجهل كيفية إدارة الوقت والحياة، أو لعلّه يعرف مصطلح إدارة الوقت والحياة ولكنه يرفض العمل به إمّا شغلاً عنه أو تعالياً عليه أو عدم قناعة به، أو أنّه بدأ فيه لكنّه لم يكمله عجزاً منه، أو أنّه فشل في التنفيذ ثم وقف نهائياً عن المحاولة مرة أخرى، ومن هنا فإنّ على كل واحد منّا أن يتعلم كيف يُدير حياته الادارة النافعة الإيجابية التي تعود عليه بما يصبو إليه ويهدف إلى تحقيقه، وأن يسعى جاهداً على معرفة كل ما يساعده على إدارة حياته من أسباب تحفيزية و مقوّمات داعمة وفرص متاحة. وإذا بدأ في عملية إدارته لحياته فلا شك أنّه في حاجة ماسّة إلى صبر طويل ومجاهدة مستمرة ونضال دائم، فليصبر وليجاهد وليناضل من أجل حياة رائعة ماتعة نافعة، ومن المؤكد أنّه سيجد في إدارته لحياته العقبات الكبيرة والحواجز المنيعة وصور من الإيذاء مختلفة فعليه كذلك أن لا يلتفت إلى ذلك كلّه، بل عليه السعي في تجاوز تلك العقبات والحواجز، وعدم الاكتراث بصور الإيذاء تلك، ويجعلها جميعاً وراء ظهره، ماضٍ نحو حياته الطيّبة التي يريد، وقد يُصاب بالفشل وهو يُدير حياته لأي سبب كان عليه عندئذٍ أن يكرّر المحاولة وأن لا يستسلم للفشل بأي حال من الأحوال. وحتى ينجح الأنسان في إدارة حياته الادارة الجيّدة والمثمرة والنافعة – بإذن الله تعالى – فإنّ عليه أربعة أمور مهمّة للغاية تساعده وتساهم معه في إدارتها لحياته: أولها .. أن يستشعر دائماً انّه لازال يتنّفس بمعنى أنّه يستطيع العطاء، وإذا أراد أن يكون صاحب عطاء فعلاً فعليه أن يدرك قيمة الوقت وأهميّته وعِظم خطورة تضييعه أو العبث به، وأنّ كل لحظة من لحظات حياته تعتبر مجالاً للعمل وميداناً للمنافسة والسباق، وأنّه كل ما حافظ على وقته واستثمر عمره زاد نفعه وبان عمله وبقي أثره. ثانياً .. أن يضع خطة واضحة تتضمن ما يلي: – الاهداف التي يريد تحقيقها بشروطها المعروفة. – الفرص التي ينبغي عليه استغلالها. – المخاطر التي ينبغي عليك تجنّبها. – الأولويات حسب أهميّتها ومجالاتها. – مع ما يصاحب ما سبق من تركيز عالٍ وعمل دؤوب، وغيرها. ثالثاً .. أن يكون صاحب نظرة شمولية في إدارته لحياته، فهو على علاقة مع بيئات مختلفة وذوات متباينة وكيانات متعدّدة، فهو فرد من أفراد أسرته، وعضو من أعضاء مجتمعه، وعنصر من عناصر أمته، وكل منهم له حق عليه والعكس، ولا شك أنّ الفرد من مجتمعه يؤثر فيه ويتأثر، فإذا أراد أن يُدير حياته الإدارة الصحيحة عليه أن لا يُقدّم بيئة على أخرى، ولا يغفل عن كيانٍ من أجل كيانٍ آخر، بل يجعلهم جميعاً في دائرة اهتمامه وجدول حياته، وأن يتعامل مع الجميع من مبدأ العدل والمساواة. رابعاً .. أن يتحكم في مشاعره و يضبط سلوكيّاته ويوجّه أخلاقه، لأنّ أيّ خلل في ما يُقدّم يؤثر عليه وعلى من حوله سلباً ويفقده السيطرة على إدارة حياته، ولأنّ الحياة مليئة بالتقلّبات والعقبات، ولأن التعامل من خلالها يكون مع أنماط مختلفة وأمزجة متقلّبة كان لزاماً على الإنسان أن يسمو بمشاعره الصادقة وسلوكيّاته المنضبطة وأخلاقه السامية، فإذا كان منه ذلك كلّه نجح في إدارته لحياته بكل اقتدار. هذه الأربعة الأمور أزعم أنّها أهم مقوّمات نجاح الإنسان في إدارته لحياته، متى ما عمل بها وضحّى من أجلها وصبر على تفعيلها على أرض الواقع.
مشاركة :