يعيش لبنان في مرحلة سياسية حساسة ومأزومة على الصعد كافة، في ظل الشلل الذي يصيب مختلف مؤسساته الدستورية منذ انتهاء ولاية الرئيس ميشال سليمان في 25 مايو/ أيار 2014، وعجز مجلس النواب عن انتخاب رئيس جديد منذ ذلك التاريخ على الرغم من عقده ثلاثين جلسة بهذا الخصوص، لعدم اكتمال النصاب القانوني للجلسات. من الواضح مدى تأثير الأزمة السورية في الأوضاع الداخلية في لبنان، إلى درجة جعلته رهين الصراع الدائر في سوريا منذ أكثر من أربع سنوات. وما دامت الأزمة السورية بلا حل، سيبقى الفرقاء اللبنانيون متشبثين بمواقفهم، ما يولد أزمات عدة في البلاد ليس آخرها أزمة النفايات التي تراكمت في شوارع وساحات المدن اللبنانية إلى درجة باتت تهدد الصحة العامة من دون أن تفرق بين موالاة أو معارضة، خاصة بعد هطول الأمطار الغزيرة مؤخراً التي جرفت النفايات في كل الاتجاهات. من المؤسف جداً، أن كافة المؤسسات الدستورية اللبنانية في حالة موت سريري، لدرجة وصل العجز إلى عدم القدرة على إيجاد حل لأزمة النفايات التي تتفاقم يوماً بعد يوم، فضلاً عن اتخاذ قرارات بالتعيينات في المؤسستين العسكرية والأمنية وانتخاب رئيس للبلاد، والموافقة على القروض الدولية وغيرها من القرارات التي تهدد بإفلاس وانهيار لبنان. تعطيل المؤسسات اللبنانية باسم الديمقراطية، خطأ كبير، فالديمقراطية لا بدّ لها من وجه توافقي ما، يزيد أو ينقص، ويصل إلى صنع القرار واتخاذه وتنفيذه في نهاية المطاف لا تعطيله وشله والخروج من الجلسات من دون نتيجة إيجابية، كما في الحالة اللبنانية التي هي بأمس الحاجة إلى التوافق لاتخاذ قرارات تنقذ البلاد مما هي فيه. اللبنانيون بحاجة إلى ميثاق شرف للعيش المشترك بعيداً عن تأثيرات الخارج ومنطق القوة والسلاح، ومن المؤسف جداً أن تصل الحال بهم إلى هذا الحد من الانقسام والتشرذم، وهم المعروفون بأنهم أصحاب الحضارة العريقة التي نقلت إلى كل أصقاع العالم حروف الأبجدية الأولى وأدوا رسالتهم الإنسانية على مر التاريخ. الفرقاء اللبنانيون بحاجة إلى مضاعفة الجهود لخلق مساحات حوار دائمة وجدية تشمل الجميع دون استثناء للوصول إلى تفاهمات وتوصيات وخريطة طريق تنقذ البلاد، لا الحضور لمجرد الحضور كما يحصل الآن في جلسات الحوار الوطني . فالحوار ضرورة للاستقرار، عند عجز المؤسسات الحكومية عن إيجاد الحلول للمشاكل الأساسية، وهو معني فقط بإيضاح آليات اتخاذ القرار، وحماية هذه الآليات. المنظر الكارثي للنفايات المكدّسة في الأماكن العشوائية، وقرب التجمعات السكنية والجامعات والمستشفيات، والأمطار الغزيرة تبعثرها هنا وهناك، لا يمكن حله بالتراشق بين الفرقاء بل بإقرار خطة وطنية لحل ينقذ البلاد من كارثة صحية. أزمات لبنان بحاجة إلى حل سريع، ابتداء من معضلة النفايات مروراً بانتخاب رئيس للبلاد وانتهاء بتفعيل عمل مجلسي الوزراء والنواب والاتفاق على قانون للانتخابات والتعيينات والترقيات الأمنية والعسكرية انطلاقاً من الحس الوطني لا الطائفي والشخصي. النفايات تهدد لبنان الذي ينحدر إلى الانهيار السياسي والاقتصادي والاجتماعي بقوة ويقترب من الدولة الفاشلة والمفلسة، ورغم كل ذلك، يتعامل السياسيون مع كل هذه المخاطر المحدقة بعبثية مفرطة ولا مبالاة زائدة، وحيال ذلك وحدها المعجزة قادرة على إنقاذ لبنان من حافة الانهيار، فهل تحدث؟ S2222s22s@hotmail.com
مشاركة :