لكن، من يشاهد التلفزيون اليوم | كرم نعمة

  • 10/2/2021
  • 00:00
  • 3
  • 0
  • 0
news-picture

أحد أشهر المحاورين التلفزيونيين العرب، الذي يعدّ من ضمن الناجحين إعلاميا، تساءل وهو يتحدث معي عن أزمة المشاهد بما تعنيه للوجوه التلفزيونية: من يشاهد التلفزيون اليوم؟ كان يعني البث المستمر للقنوات التلفزيونية، فهناك القليل ممن يضبطون ساعات يومهم على برامج ومسلسلات تلفزيونية. كما انتهى منذ عقود الحديث النقدي بين الناس عما عرضه التلفزيون ليلة أمس بوصفه وسيلة البث الوحيدة والمشتركة بين الأسر. باختصار شديد التلفزيون تحوّل إلى جيوبنا وأجهزتنا الذكية، ونحن من يتحكم بأوقات العرض. وزميلي المحاور، يتأسّى على جمهوره السابق منذ أن صنع نجوميته التلفزيونية في تسعينات القرن الماضي، وهو يترقّب اليوم العدد الضئيل من جمهور المستخدمين على منصة يوتيوب لمشاهدة حواراته الشيقة. دعك من عدم الاهتمام أصلا لموعد عرض الحوار على شاشة المحطة التي يعمل فيها منذ سنوات. سألني بطريقة من يوجّه السؤال إلى نفسه أيضا: هل فقدت ذلك التشويق؟ وأجاب: لا أعتقد لكن المشاهد أعاد تشكيل علاقته مع التلفزيون ذلك هو التفسير المقبول. كما أن التلفزيونات نفسها انتبهت إلى تلك العلاقة المتغيّرة وصنعت منصاتها لتشجيع المشاهدين على الاشتراك بها، بينما وجدت طموحات منصات كبرى مُنافَسة متصاعدة وهي تُغري المشاهد بإنتاجها وفق الطلب. لذلك صارت إعادة تعريف التلفزيون بـ: نتفليكس وديزني بلس وإتش بي أو ماكس. بينما صديقي العاشق حدّ النرجسية لعمله التلفزيوني ما زال يعوّل على القناة الفضائية التي لا تكف عن الترويج لحواراته مع نجوم الثقافة والفن والسياسة والعلوم. ويتأسّى على حاله بالقول “من يشاهد التلفزيون اليوم”. هناك قدر أكبر من المشاهدة للتلفزيون، لكنها ليست بالأوقات التي كانت تسمى في زمن ما بالذهبية. نحن المشاهدون من يختار تلك الأوقات، بينما المنصات التلفزيونية تضع نتاجها تحت تصرفنا. عندما أتحدث عن نفسي، فلم يكن يشغلني ما تبثه العشرات من المحطات التلفزيونية المفضلة بالنسبة لي، وأنا أتابع مثلا مسلسل “لوبان” على نتفليكس. ربما مثل غيري من محبي كرة القدم، نادرا ما أفرط بمشاهدة مباراة في بث حي، على مادة تلفزيونية يمكن أن أعود إليها وقتما أشاء. كذلك يمتلك سؤال زميلي أهميته عمّن يشاهد التلفزيون، ويعني التعريف التقليدي للجهاز. بينما الطموحات العالمية تحوّل التلفزيون إلى مفهوم مختلف كليا عندما يحدده الملايين من المشتركين في منصات البث. التلفزيونات نفسها انتبهت إلى تلك العلاقة المتغيّرة وصنعت منصاتها التلفزيونات نفسها انتبهت إلى تلك العلاقة المتغيّرة وصنعت منصاتها اليوم تشعر أستوديوهات إنتاج الأعمال الدرامية والأفلام بالخوف نفسه الذي ينتاب القنوات التلفزيونية الكبرى، من نتفليكس وهي تستثمر في الأعمال ذات الجودة العالية. تحت ذريعة أن منصات البث تقوم بتعطيل المتعة. ومن حيث المبدأ، لا ينبغي أن يكون هذا مهما لدى الجمهور عندما يتعلق الأمر بالجودة العالية. يكفي أن نتخيل مقدار الغيظ الذي انتاب تلك القنوات لمجرد أن نعرف هيمنة نتفليكس على جوائز “إيمي” للتلفزيون الأميركي بحصولها على أربع وأربعين جائزة في الدورة الأخيرة الأسبوع الماضي، مرتقية إلى الرقم القياسي الذي كان مسجلا لحساب شبكة “سي.بي.أس” سنة 1974 عندما كانت المسلسلات تبثّ حصرا على الشاشات التلفزيونية وبوتيرة أسبوعية. لدى نتفليكس التي أحدثت ثورة في مجال التلفزيون من خلال منصتها التي أطلقتها عام 2007، الآن 209 ملايين مشترك وفق تقرير لصحيفة فايننشيال تايمز البريطانية، لكن انخفض المجموع قليلا في الولايات المتحدة وكندا في الربع الثاني من هذا العام، مع توسع منصات البث الجديدة. وقد تحصل الشركة على زبائن جدد في أوروبا، والشرق الأوسط وأفريقيا أكثر مما تملكه في بلدها. ويتوقع أن تنفق منصات ديزني مع نهاية هذا العام ثلاثين مليار دولار، ونتفليكس 17 مليار دولار، على المحتوى الدرامي المتميز وبجودة عالية تستقطب المزيد من المشتركين. المال التلفزيوني يتكلم هنا ويعيد رسم ميدان المنافسة. تقول نينا جاكوبسون المنتجة السينمائية والتلفزيونية والرئيسة السابقة لأستوديوهات والت ديزني “هناك فكرة تجريدية حقيقية لما يبدو عليه النجاح، الأمر لا يتعلق بالمال فقط. بل بما هو مهم حقا يجعل الجمهور يتحدث عنه. من السهل أن تصنع جبلا من المحتوى التلفزيوني، بينما يبقى الأهم المحتوى المتميز”. وهكذا لم يعد الحال كما كان في السابق، تعرض الأفلام في دور العرض لثلاثة أشهر ثم عبر الإنترنت للتأجير والشراء، وبعدها تكون متاحة في خدمات التلفزيون. اليوم تتم مشاهدة الأفلام عبر المنصات التلفزيونية بعد أيام من عرضها في الصالات تقريبا. بينما تكون منتجات نتفليكس متاحة على منصتها في أول عرض لها. في ظل ذلك، هل لا يزال النجاح يتعلق بمبيعات التذاكر، وهل يتعلق الأمر أكثر بتنمية قاعدة مشتركي خدمة المنصات التلفزيونية، أم هو مزيج غامض من الاثنين؟ ربما سيكون هناك تحوّل أعمق في عالم التلفزيون. بعد أن اعتاد الناس على خدمات حسب الطلب، من وسائل النقل إلى الأطعمة، فإنهم لن يصبروا طويلا على مشاهدة الأفلام والأعمال الدرامية في وقت عرضها الأول. لا توجد إجابات سهلة في كل الذي يحصل في عالم التلفزيون، لكن من الواضح أن أعداد المشتركين تتزايد في دفع الأموال مقابل الجودة العالية. ذلك ما يجعل القنوات التلفزيونية التقليدية تعيد قراءة مستقبل وطبيعة منتجها. Thumbnail

مشاركة :