أن تكون محظوظا بلا تلفزيون بقلم: كرم نعمة

  • 6/12/2017
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

صديقى كان محظوظا لأنه منذ نصف قرن لم يشاهد برنامجا عربيا واحدا، لقد أعاد بناء ذائقته، فكل ما يقدم اليوم يوغل في السطحية المريعة.العرب كرم نعمة [نُشر في 2017/06/12، العدد: 10661، ص(24)] يعبر لي صديقي المهندس العربي المهاجر إلى بريطانيا منذ ستينات القرن الماضي، عن سعادته المشوبة بالتردد في الانقطاع عن الثقافة العربية، فزوجته أيرلندية وولده يتقن 3 لغات ليست العربية بينها، وهو لم يعد إلى بلده منذ أن هجرها من دون أي سبب، غير التوق لحياة كريمة تصان فيها الكرامة. تسنت له أخيرا إعادة اكتشاف شيء من تلك الثقافة التي انقطع عنها، عندما اقتنت زوجته أستاذة اللغات جهازا يجمع قنوات فضائية بأكثر من لغة، كانت العربية من بينها ويا للحظ! منذ أشهر يمر صديقي على القنوات العربية كلما تسنى له ذلك على الأقل لاستذكار شيء من حياته السابقة في وطن أحبه، كان يحاول أن يجد تفسيرا لما يشاهده من برامج وأعمال درامية عربية، لكنه فشل فشلا ذريعا، ربما لنمو واختلاف ذائقته، أو لأن ما ينتج اليوم يتلاءم مع شحنات الكراهية والضحالة والتخلف التي باتت تغلف حلقات واسعة في المجتمعات العربية! قال: كم كان محظوظا لأنه منذ نصف قرن لم يشاهد برنامجا عربيا واحدا، لقد أعاد بناء ذائقته، صحيح أنه يشعر بالحنين لبعض الأفلام والأغاني التي ارتبطت بطفولته، لكن كل ما يقدم اليوم يوغل في السطحية المريعة. تحدث عما شاهده على مدار الأشهر الماضية، فوجوه الممثلين الكبار عمرا هرمت وبدت عاجزة عن التعبير، والجيل الجديد لا يدرك فلسفة التمثيل، وما يقوم به من أداء مجرد حركات منفعلة أو راقصة ببلاهة، حتى المخرجون لم يتعلموا شيئا من تطور فكرة التلفزيون وطريقة تقديم المشهد، فالصورة الجامدة لم تعد قائمة اليوم، والعدسة تمارس الإيحاء التعبيري أكثر من تصوير المشاهد كما هي. إنه يحاول إيجاد تفسير لكل ما يعرض اليوم على القنوات العربية، ولم يجد غير أن السطحية والخلاف المتصاعد داخل المجتمعات أوجدا معهما نوعا من ثقافة ضحلة تقدم نفسها بطريقة مكررة وساذجة، فالممثل ابن بيئته ومقدم البرامج والمحاور والمغني كذلك، وإلا لماذا لم يجد بعد المشاهدة لأكثر من مئة قناة تلفزيونية عربية ما يرقى بوعيه! في يوم ما كان صديقي وزوجته ضيفين علينا في احتفالية أقمناها في الجريدة وكان بيننا مخرج عربي ترك لمساته الفنية منذ عقود على أكثر من شاشة عربية، ولم أستغرب أن صديقي المهندس لم يتعرف عليه مع أنهما من بلد عربي واحد، واليوم كم بدا هذا الرجل محظوظا لأنه لم يشاهد تلفزيونا عربيا منذ ستينات القرن الماضي. كرم نعمة

مشاركة :