تبدو قضية الإعلام وقت إدارة الأزمات، وبخاصة في عصر الثورة الرقمية، من القضايا المثيرة للتفكير بعمق، ذلك أنه إن كان يقال ـ وعن حق ـ في زمن الإمبراطورية الرومانية إن من يعطي الخبز يعطي الشريعة، فإن الأمر عينه ينسحب على الإعلام في القرن الحادي والعشرين، إذ أن من يقوم على إدارته هو من يوجه الجماهير، ذات اليمين وذات اليسار، وقد كانت أزمة تفشي جائحة كوفيد-19 طوال العامين الماضيين فرصة جيدة لرصد ومتابعة كيفية التعاطي مع النوازل في زمن بات فيه الإعلام الرقمي سابقا وسائدا على الإعلام المنظور والمسوع بنوع خاص . في هذا الإطار المهم يأتي كتاب الكاتب الإماراتي الكبير يوسف جمعه الحداد، والمعنون: “الإعلام الإماراتي وإدارة الأزمات”، والذي يفتتح عمله الجميل بعبارة أضحت رائجة في زمن الفيروس الشائه: “لا تشيلون هَم”، تلك التي فاه بها سمو الشيخ محمد بن زايد ولي عهد ابو ظبي نائب القائد الأعلى للقوات المسلحة في بداية أزمة كورونا ، وقد اعتبر سموه أن: “الأزمات بشكل عام تخلق رجالا، الأزمات تخلق دولا، الأزمات تثبت تاريخا، الأزمات تصنع مستقبلا، الأزمات تخليك تعرف سيف يمناك”. عن هذا العمل الإبداعي تقول معالي نورة بنت محمد الكعبي، وزيرة الثقافة والشباب في دولة الإمارات العربية المتحدة إنه يقدم رؤية عميقة وشاملة لطبيعة التحولات التي شهدها العمل الإعلامي في الآونة الأخيرة، وموقع الإعلام الوطني منها، بمنهجية وازنت بين النظرية والتطبيق، وساعدت مؤلف الكتاب في تسليط الضوء على دور الإعلام المحلي في مجابهة مجموعة من التحديات التي شهدتها دولة الإمارات خلال السنوات الماضية بطريقة موضوعية ومحايدة، فضلا عن التركيز على بعض القضايا الخارجية التي كان للإعلام الوطني دوره في التعامل معها بمهنية، أبرز خلالها مواقف الدولة الثابتة تجاه محيطها الخارجي. هل للقارئ أن يسأل المؤلف عن أهمية الإعلام في حاضرات أيامنا؟ يستشهد المؤلف في صفحات كتابه القيم بمقولتين: الأولى: لسمو الشيخ محمد بن راشد حاكم دبي رئيس مجلس الوزراء يقول فيها: “إن الإعلام يلامس حياة الناس ويتفاعل معهم بصفة يومية، يؤثر فيهم ويتأثر بهم.. ومن الضروري تهيئة أفضل الظروف التي تعين على الوصول بالطاقات الإعلامية إلى أعلى مستويات الكفاءة، ليكونوا دائما ملبين لتطلعات الناس.. متجاوبين مع احتياجاتهم، بمحتوى يخدم في بناء المستقبل. الثانية: لسمو الشيخ محمد بن زايد، والتي يقول فيها: “إن العمل الإعلامي رسالة قبل أن يكون مهنة أو وظيفة لأنه يتعامل مع عقول الناس وأفكارهم وتوجهاتهم وبالتالي فإن التعامل مع الكلمة سواء كانت مسموعة أو مكتوبة أو مرئية يجب أن يكون بمسؤولية وحس وطني يعلي من المصلحة العليا للوطن ويضعها في مقدمة الأولويات. الكتاب الذي بين أيدينا يقع في أربعة فصول ونحو مائتي صفحة من القطع الكبير، كل فصل ينقسم إلى أكثر من مبحث بطريقة علمية أكاديمية، وبلغة سلسة غير مركبة يسهل حتى على القارئ غير المتخصص تفهمها من غير صعوبات. الفصل الأول يتناول الإعلام وإدارة الأزمات.. مدخل نظري ومفاهيمي. الفصل الثاني: الإعلام الوطني وإدارة الأزمات.. نماذج تطبيقية. الفصل الثالث: دراسة ميدانية حول تصورات العاملين في المجال الإعلامي لدور الإعلام الوطني في إدارة الأزمات. الفصل الرابع: نحو إستراتيجية وطنية فاعلة لتعزيز دور الإعلام. يبين الأستاذ الحداد كيف أن الإعلام الوطني كان حاضرا في إدارة الأزمات الداخلية التي شهدتها دولة الإمارات العربية المتحدة على مدار السنوات الماضية، وكيف أثبت كفاءته في التعامل معها بكل شفافية وموضوعية، ليس فقط فيما يتعلق بدعم الجهود المؤسسية في التعامل مع هذه الأزمات، وإنما أيضا في التواصل الفاعل مع أفراد المجتمع، وتنمية الشعور لديهم بالمسؤولية الاجتماعية والأخلاقية في الالتزام بالتعليمات والإرشادات خلال هذه الأزمات بمراحلها المختلفة. والشاهد أن الإعلام الوطني الإماراتي كان متفاعلا أيضا مع الأزمات الإقليمية والدولية، ولاسيما تلك التي لها تأثيرات مباشرة أو غير مباشرة على دولة الإمارات، خاصة الحرب في اليمن منذ انطلاق عاصفة الحزم في مارس من العام 2015، وحتى عودة القوات المسلحة لدولة الإمارات بعد أن أدت المهام الموكلة إليها ضمن التحالف العربي لاستعادة الشرعية في اليمن. وحين ظهرت أزمة وباء كورونا في ديسمبر من العام 2019 تعامل معها الإعلام الوطني بكل شفافية، فلم يقتصر دوره فقط على بث الطمانينة والتوعية والوقاية، وإنما بعث برسائل تضامن إلى الشعوب والدول التي أنتشر فيها الفيروس بصورة كبيرة، ليؤكد بالفعل أنه يجسد في رسالته مبادئ الإمارات الإنسانية والحضارية. ولعل الميزة اللافتة للنظر في هذا الكتاب، والعهدة هنا على معالي الوزيرة نور الكعبي، هي أنه، ومن وحي تحليله لدور الإعلام الوطني في تناوله للقضايا الداخلية والتحديات الخارجية، وضع أمامنا تصورا متكاملا يعد أساسا قابلا للبناء عليه لجهة تطوير استراتيجة إعلامية وطنية فاعلة ومؤثرة في إدارة احتواء الأزمات، جعلها المؤلف ترتكز على تصورات أهل المهنة من العاملين في المؤسسات الإعلامية الوطنية، دون أن تغفل الاستفادة من المدارس الإعلامية لدول أخرى، عربية ودولية، في إدارة الأزمات، حتى تكون قادرة على مواكبة طموحات دولة الإمارات المستقبلية بكافة مستوياتها وعلى جميع الأصعدة، في مسعاها لتكون نموذجا رائدا بين دول العالم خلال الخمسين عاما المقبلة. يعن لنا في ختام هذه السطور، والتي لا توفي هذا العمل الفكري التقدمي حقه، أن نتساءل: من يستحق التهنئة في مناسبة صدوره، هل الكاتب الأستاذ الحداد، أم الإعلام والإعلاميين في الإمارات العربية الشقيقة أم من؟ الواقع إن التهنئة تتوجب لمن يطالع صفحات هذا الكتاب من القراء قبل أي أحد آخر، لما فيه من حداثة في الطرح، تمتزج بواقعية في التناول.. ألف مبروك.
مشاركة :