إميل أمين يكتب: الخديعة الأمريكية والأزمة الإيرانية

  • 1/13/2018
  • 00:00
  • 9
  • 0
  • 0
news-picture

تمخض الجبل فولد فارا كما كان متوقعا، ذلك أن حلف المصالح المشتركة لا يزال ماضيا قدما من طهران مرورا بتل أبيب وصولا إلى واشنطن. أرغى وأزبد دونالد ترامب طوال الشهرين الماضيين لجهة إيران غير الملتزمة بقرارات الأمم المتحدة، والساعية الى عسكرة الشرق الأوسط والخليج العربي دفعة واحدة، ناهيك عن برنامجها للصواريخ، ذاك الذي يخل بصورة فاضحة بالتوازنات الإقليمية، وما نراه من صواريخ الحوثيين تجاه المملكة العربية السعودية خير دليل على ذلك. لم نكن نتوقع من ترامب أن يعلن إنسحاب بلاده من الاتفاقية النووية مع إيران، ذلك الخطأ الذي يقترب من أفق الخطيئة التي ستظل تطارد باراك أوباما إلى النفس الأخير، ذلك أن من يستقرئ خطوط طول وعرض السياسات الأمريكية منذ زمن الشاه مرورا بما يسمى الثورة الإسلامية للخوميني وشركائه، يدرك أن الإرتباط بين الجانبين إرتباط عضوي، وليس إرتباط مصالح براجماتية فحسب. خيل للجميع أن واشنطن سوف تقيم الدنيا وتقعدها من أجل دعم الإنتفاضة الشعبوية الأخيرة في العديد من المدن الإيرانية، غير أن واقع الحال أشار إلى أننا استمعنا إلى قعقعة ولم نر طحنا، وفيما السيد ترامب يملأ الدنيا صياحا عن الدولة القمعية الإيرانية، كانت مندوبته في الأمم المتحدة ذات التوجهات العنصرية “نيكي هالي” تبشر بأن مجس الأمن الدولي ومجلس حقوق الانسان لن يدعا الملالي ينعمون فيما بعد، غير أن الجميع اكتشف أن المسألة شعاراتية أكثر من واقعية، وأن الزيف الأمريكي تجاه المشهد الإيراني بات مكشوفا للملأ. قبل ساعات كان ترامب يعلن عن تمديد تخفيف العقوبات “للمرة الأخيرة” حسب وصفه، معطيا الإيرانيين مزيدا من الوقت لترتيب صفوفهم وتنظيم أوراقهم عبر 120 يوما جديدة، وهو يعلم أن كل يوم يمر تتعاظم فيه المخاوف من سطوة طهران، ومن تنامي رغباتها في الهيمنة والسيطرة في المنطقة، عطفا على إتاحة الفرصة لها لتمكين صناعاتها العسكرية من النمو والنهوض. هل يمكن حقا لترامب أن يقنع الأوروبيين بملحق إضافي للإتفاقية النووية؟ أغلب الظن أن ذلك تلاعب بالمواقف وتسويف للوقت، فهو يدرك تمام الإدراك أن الأوربيين يرفضون في الحال وفي الاستقبال الاقتراب من الإتفاقية النووية بأي تعديلات أو تبديلات، وفي المقدمة من القوى الأوروبية النافذة فرنسا والمانيا، والأوروبيون عن بكرة أبيهم يرون منافعهم الاقتصادية اليوم مع إيران ربما أهم من العلاقة المضطربة مع واشنطن، حيث هناك رئيس لا يهتم إلا بأمريكا أولا، وقد جاءه الرد: “لتكن أوربا  أولا بدورها”. هل يعني ذلك أن ترامب يسعى لوضع عراقيل أمام عدم تغيير الإتفاق وإن بصورة غيرمباشرة؟ أغلب الظن أن ذلك كذلك، وهو مدرك تمام وكمال الإدراك. ان الجانب الأوربي سيحتفظ بموقفه إلى النهاية، وأنه ليس في صالحه إهدار فرص اقتصادية كبيرة مع الإيرانيين، حتى وإن كان هذا التوجه كارثيا بالنسبة لمستقبلهم الأمني، سيما وأن الصواريخ الإيرانية باتت تطال العديد من المدن الأوروبية. هل من لمحة سريعة تاريخية عن العلاقات الأمريكية – الإيرانية؟ الأمر يحتاج إلى دراسات قائمة بذاتها، فالخفي منها كجبل الثلج الغاطس في قاع المحيط فيما رأس الجبل هو الظاهر فقط للعيان، لكن وبدون تطويل ممل نتساءل عن الشعارات التي رفعتها أنظمة الملالي طوال أربعة عقود ومن ورائهم الجماهير المغيبة، شعارات مثل الموت “الموت لأمريكا وإسرائيل”، والتساؤل: هل حقا أدرك الفناء تل أبيب وواشنطن من جراء الثورة الإيرانية؟ الحال يغني عن السؤال، إذ لم تنطلق رصاصة واحدة طوال العقود الأربعة المنصرمة على إسرائيل، ولم يعرف أن الإيرانيين خططوا لعملية إرهابية واحدة في الداخل الأمريكي، أما الموت المزعوم فكان من نصيب أهل السنة في إيران والعراق ولبنان ومكة المكرمة. لكن من ناحية اخرى هل ساهمت الأخطاء الأمريكية في تقوية شوكة إيران في المنطقة بصورة أو بأخرى؟ الشاهد أن الحرب الأمريكية على الإرهاب حول العالم، والتي استنتها غداة الحادي عشر من سبتمبر، أتاحت فرصة ذهبية للإيرانيين للعمل في صمت وخفاء لتعزيز برامجهم النووية أملا في الحصول على  القنبلة النووية، ولاحقا عرفوا كيف يقتنصون أغلى الفرص بحصار الأمريكيين داخل العراق ليخرج العم سام صفر اليدين، فيما تنتشر قوات الحشد الشعبي اليوم مشكلة قوة ضاربة للسيطرة على مقدرات العراق. يعن للمرء التساؤل: كيف لإسرائيل أن تغض الطرف عن برنامج إيران النووي، وهي ما برحت تنقض على المفاعل النووي العراقي لتحيله حطاما؟ وهل في الأمر دور أمريكي، أي أوامر ونواهي تمنع العبرانيين من الإقتراب من الفرس؟ ليست المرة الأولى التي نمسح فيها الغبار عن العلاقة التاريخية والأكثر من عضوية بين طهران وتل أبيب، ذلك أن اليهود اليوم مدينين دينا يصل إلى حد الأعناق لكورش ملك فارس ذلك الذي مكن لهم من الرجوع من السبي البابلي إلى أورشليم بعد نحو خمسمائة عام أذلهم فيها نبوخذ نصر ومواليه. الخلاصة: لا تريد واشنطن إيران ضعيفة أو ممزقة، إنها تريدها قوية إلى الحد الذي يسمح لها بأن تتخذ منها أداة لتخويف وإرهاب ولاحقا إبتزاز جيرانها، وهي حقيقة يعلمها القاصي والداني. غضت أمريكا الطرف عن الأنشطة النووية الإيرانية طيلة عقدين من الزمن وكان في مقدورها منذ اليوم الأول أن تنهج نهجا ساحقا ماحقا لا يصد ولا يرد، ينهي آمال وطموحات الايرانيين في التوصل إلى  التكنولوجيا النووية، لكن بعد أكثر من ثلاثة عقود استطاعت إيران الحصول على الخبرة اللازمة لإنتاج سلاحها النووي في الوقت الذي يناسبها. حتى الإتفاقية التي شرخت الرؤس من الحديث بشأنها في حقيقتها إنما هي تأجيل حصول إيران على  سلاحها النووي لمدة تتناقص يوما تلو الآخر وتبلغ اليوم إثنتي عشرة سنة لا أكثر. الخديعة الأمريكية تجاه  اللعبة الإيرانية واضحة وضوح الشمس، والعالم العربي السني مدعو اليوم وقبل أي وقت آخر لمراجعة حساباته وتجهيز أوراقه بعيدا عن المسرحة الأمريكية بغير مسرحية، هذا اللون من الوان السياسات الخارجية الذي برع فيه الأمريكيون منذ زمان وزمانين وحتى أوان ترامب.

مشاركة :